"سننتقي لوحة فنية تشكيلية من المعرض ونعرضها في مبنى البرلمان الألماني حتى يتسنى لكل نائب وكل زائر للبرلمان رؤيتها والتمتع بجمالها ويعرف انها من فلسطين ، علما انه لايوجد اي عمل فني لإسرائيل في البرلمان ، فالفن رسالة بإمكانكم التواصل بها مع العالم على كل المستويات "

كانت هذه واحدة من افكار ومقترحات مؤسس ورئيس حزب الخضر الألماني (فرانك هوث) الذي انتقى لوحة تشكيلية من معرض لوحات رسمها طلبة كلية الفنون الجميلة في جامعة النجاح الذي نظم في اطار زيارة ضيوف (مؤسسة سيدة الأرض) العرب والأجانب للجامعة بعدما تم تكريمهم يوم الجمعة الماضي في حفل نوعي كسر قوالب المهرجانات والحفلات التقليدية على مسرح قصر الثقافة في رام الله.

سمعت هوث يشرح لرئيس الجامعة الدكتور (ماهر النتشة) ونائب محافظ نابلس (عنان الأتيرة) عن سبب اختياره لوحة من المعرض وقد قال متحمسا: "فيها شجرة الزيتون وفيها العلاقة بين الانسان وأرضه الخضراء فيها الوان الأمل وبريق الحياة". وسنبقى نذكر عبارة "نحبكم ونحب فلسطين" من إنسان غلب عليه التواضع رغم أنه مؤسس ورئيس حزب، فهذه صفة مصداقية لدى المناضلين من اجل حياة حرة وعدالة للإنسانية.

اعترف وأقر في هذا المقام أن عواطفي قد بلغت ذروتها وأنا ارى الطبيب الايطالي المختص في السمع والنطق (لورنزو فيتشيتي) يقبل علم فلسطين ويرفعه عاليا لحظة قبل تكريمه على المسرح، حتى أني لم استطع إخفاء دموعي التي فاضت واجبرت عجلة ذاكرتي على الدوران، والتوقف عند مشهد (اخوان!!) اعتبروا العلم مجرد قطعة قماش ملونة، فيما اخ لنا في الانسانية يعرب عن احترامه وحبه العظيم لفلسطين وشعبها على الملأ وعلى الهواء مباشرة.

اوقفت سلطات حكومة الاحتلال الاسرائيلي في مطار اللد لورنزو لأنه حمل شالا فلسطينيا عليه رسم علم فلسطين من جهة ، وفي الجهة الأخرى رسم الكوفية، وفي المرات الأربع التي اتى فيها لزيارة بلادنا يعرقلون دخوله ويعطلون برنامجه ويوقفونه في المطار ويفتشونه، وتساءل أمامنا :"أي خطر يشكله عليهم هذا العلم؟!"، فقلت له: "إن دولة الاحتلال اسرائيل مشروع استعماري مدعوم بأحدث واخطر انواع السلاح الأميركي، وهي لا تخشى سلاحا في العالم، لكنها تخشى هذا العلم لأنه رمز هويتنا وثقافتنا وتاريخنا ومستقبلنا وحريتنا واستقلالنا على أرضنا في وطننا فلسطين، اما الكوفية فإنها رمز حركة تحررنا الوطنية التي تناصرونها". 

لورنزو الذي قدم خدماته لأطفال فلسطين قال ووميض الثقة يسبق كلماته : "نحن هنا في بلد حر، لقد صنعتم أشياء عظيمة، وأهمها العزة والكرامة".

النائب في برلمان المملكة المغربية (خديجة الزياني) لم تفاجئنا بمشاعرها وعواطفها وانما بتقييمها وتقديرها عندما قالت: "لقد زرت ثلاثين بلدا لكني ما شعرت بالأمان كما شعرت به في فلسطين والمدينة المنورة" نعاهدكم على الوفاء".

الوفاء روح الانسان الحر المعنوية، ومعيار دقيق لقياس انسانيته والتزامه بمبادئه وقيمه، فعندما يتجسد الوفاء عملا ماديا ملموسا تنسحب الشعارات واليافطات وخطابات المنابر الانفعالية خجلا. 

والوفاء سمة المناضل الوطني الإنسان، ولا يكون فلسطينيا من جرد نفسه من هذه الروح المعنوية ، وما جسمته (مؤسسة سيدة الأرض) في نابلس عبر افتتاح (صرح العز والوفاء) لحوالي سبعين شهيدا عرب ارتقت ارواحهم وهم يقاتلون من أجل حرية وتحرير فلسطين إلا برهان على أن العروبة ثقافة، وأن فلسطين جوهرها  ولم تك يوما نظرية سياسية، فعندما يرفع العربي ايمانه بقداسة فلسطين إلى مستوى المقدسات في ثقافته، تصبح التضحية أو الحياة من اجلها فرض عين.

ليست مقبرة، ولا مدافن، إنها فردوس فلسطينية، لمؤسسة (سيدة الأرض) شرف بعث الحياة فيها ، فهنا صرح لكل بطل عربي اختار استقرار جسده الى الأبد في ارض فلسطين المقدسة، وارتقاء روحه عبر بوابتها الأقرب الى السماء ، هنا في نابلس (جبل النور) ايضا وليست جبل النار وحسب جنين صار للعراقيين والأردنيين واللبنانيين والسوريين بوابة عز ووفاء.

الفنانة التونسية (نوال غشام) حضرت وغنت قصيدة (المجد) لسيدة الأرض (فلسطين) كتبها سامي مهنا ولحنها دكتور فلسطيني متخصص وعزف ألحانها اعضاء فرقة موسيقية تجلت فيهم فلسطين التاريخية والطبيعية، أما سميح القاسم ومحمود درويش فلم يغيبا عن فضاء سيدة الارض فكانت قصائدهم المغناة حاضرة بمثابة هدية ابداعية لكل عاشق لفلسطين ومناضل من اجل تحريرها وحرية شعبها .

نواب من برلمانات اجنبية كرمتهم سيدة الأرض (فلسطين) في المبادرة رقم مئة للمؤسسة مثل (مارتينا اندرسون) نائب رئيس البرلمان الايرلندي، اندرس اوستربري عضو في البرلمان السويدي، فرانك هوث نائب سابق في البرلمان الألماني، مؤسس ورئيس حزب الخضر، حسين تانرفيردي عضو البرلمان التركي سابقا. 

شخصيات لكل منها مكانة متقدمة مميزة في مجتمعها الانساني، وقفوا مكرمين على مسرح قصر الثقافة في رام الله تقديرا لجهودهم واعمالهم من اجل قضيتنا بلا حدود او حساب، فهذا جاك بورغوان الرئيس الفخري لبلدية جونفلليه الفرنسية، وإلى جانبه مايا تسيتوفا المدرسة بجامعة صوفيا من بلغاريا، المترجمة في سفارة فلسطين في بلادها ، والمتمكنة من اللغة العربية افضل من كثير من محترفي الخطابة على منابر السياسة...ىهذه السيدة لا يمكننا أن نوفي مشاعرها وحبها لنا مهما كتبنا، فقد كانت تعيش حب فلسطين كلما نظرت الى طفل او شجرة ياسمين تطل من وراء جدار في بيت عتيق في البلدة القديمة في الخليل، او داخل الحرم الابراهيمي، وهي تحاول حفر جمال طبيعة نابلس وتلالها وجبالها ومدينتها التاريخية في ذاكرتها، فمن يرافق هؤلاء الأصدقاء ليوم واحد سيدرك كم ان عائلة فلسطين الانسانية أوسع من الجغرافيا وشجرتها فيها كل الأجناس والأعراق، (مايا البلغارية) المثقفة قالت إثر تكريمها: "لم أولد في فلسطين لكن فلسطين ولدت في قلبي وعقلي".

"سيدة الأرض " فلسطين احتفت بمن احبها كـ (ستيف سوسبي) رئيس مؤسسة انقاذ الطفل و(روبن مولدز  استاذة الطب النفسي وهي أستاذ فخري في جامعة برانديز وجامعة هافانا في كوبا وجامعة البنجاب في لاهور بالباكستان وابنتها الطفلة (أمارا) والمخرج الاسباني (خوليو بريز)، هؤلاء الذين لا يصح وصفهم بالأجانب هم في الحقيقة سفراء شعبيين لقضيتنا، ناضلوا معنا وساهموا بأعمال في بلادهم وبلدنا فلسطين من أجلنا، هؤلاء أعضاء في سلك (الدبلوماسية الشعبية) كما وصفهم الكاتب الأردني الصديق سلطان الحطاب، سلك دبلوماسي ليس فيه رتب أو مرتبات، يتنافسون فيه على إبراز ايمانهم بقضية الحق والعدل والحرية والتحرر قضية فلسطين ، لذا قال لهم الحطاب: "لكم كل الحب" .