ترجل رجل الجزائر الشجاع عن المشهد السياسي والعسكري بعد ان قاد مرحلة التغيير. أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الجزائري كان ربان سفينة بلاد المليون ونصف المليون شهيد منذ ان اعلن الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة عن نيته الترشح لولاية خامسة في تشرين الثاني / نوفمبر 2019، التي رفضتها القوى والنخب السياسية والشعب على حد سواء، ما دفع الرئيس المتنحي في 11 آذار/ مارس 2019 للاستجابة لضغط قائد الجيش الفعلي والشعب على حد سواء. وتلا ذلك تنحيه كليا في الثاني من نيسان / ابريل 2019 عن الحكم بعد عقدين كاملين من تربعه على سدة الرئاسة الجزائرية.

وبحنكة سياسية، واقتدار شجاع أدار الأزمة في البلاد منذ بداية العام الحالي حتى الانتخابات الرئاسية في الـ12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، التي حملت الرئيس عبد المجيد تبون إلى مقعد الرئاسة دون إراقة نقطة دم واحدة. وتمكن خلال هذه المرحلة القصيرة جدا في عمر الشعوب من إحداث تحولات هامة في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والسياسية، فقام بعد إرغام الرئيس الأسبق بوتفليقة على التنحي، بتصفية البطانة، التي وصفها في بيان رسمي بـ "العصابة"، وتمت ملاحقتهم لاحقا واعتقال العديد منهم بتهم الفساد.

نعم، أحمد قايد صالح تمكن بدعم من المؤسسة الأمنية والعسكرية والشعب ونخبه الوطنية والديمقراطية من إعادة ترتيب البيت الجزائري وفقا لمصالح الشعب. وساهم بإجراء انتخابات رئاسية ديمقراطية تنافس فيها خمسة مرشحين، فاز بها الرئيس الثامن تبون بما يزيد عن 58% من الأصوات. وتم في الـ19 من الشهر الحالي كانون الاول/ ديسمبر الانتقال السلمي للرئاسة وبشكل ديمقراطي، وفي ذات اليوم قام الرئيس الجديد بتقليد وسام الصدر الرفيع لكل من الرئيس الانتقالي عبد القادر صالح، ونائب وزير الدفاع، قايد صالح تقديرا لجهودهما المتميزة في حماية الجزائر ومصالحها الوطنية والقومية ومكانتها الأفريقية والأممية.

وكأن تقلد احمد قايد صالح الوسام قبل ايام قليلة بمثابة رسالة سماوية، بأن الرجل أتم رسالته الوطنية بامتياز، وسلم الراية لمن يستحقها من القادة وفق تقديره ومنطقه الوطني، ولم يعد هناك ما يخشاه، فرحل يوم الإثنين (امس) الموافق 23/12/2019 تاركا المسرح للفرسان الجدد، وبعد ان ثبتت الشرعية الشعبية والسياسية والقانونية الجزائرية اقدامها مدعومة من المؤسسة الأمنية والعسكرية.

غادر فارس وقبطان المرحلة بعد ثمانين عاما قضى جلها في النضال الوطني، حيث التحق بالكفاح التحرري وعمره 17 عاما، وبعد استقلال الجزائر عام 1962 التحق بالجيش الوطني، وتدرج إلى أن تم ترفيعه عام 2013 لرتبة فريق، واحتل منصب نائب وزير الدفاع. ويعتبر أحمد قايد صالح آخر المناضلين الجزائريين التاريخيين. لهذا شعر بثقل المسؤولية الوطنية تجاه الشعب والثورة والدولة، وانتدب نفسه عنوانا للتحولات الدراماتيكية، التي شهدتها الجزائر هذا العام.

نجح نائب وزير الدفاع الراحل في بلوغ الهدف المنشود بدعم كامل من الشعب الجزائري العظيم. وتمكن من التصدي بثبات وشجاعة للمتفرنسين، وكل من اراد العبث بمصير ومستقبل الجزائر، ومازالت المحاكم الجزائرية حتى يوم الدنيا هذا تلاحق وتحاكم كل من تورط في عمليات الفساد، ونهب اموال الشعب.

اسم احمد قايد صالح سيخلده تاريخ الجزائر الحديث كواحد من ابطال الجزائر الشقيق، الذين حملوا على كاهلهم راية الدفاع عن الثورة والدولة والنظام الجزائري الديمقراطي بمعايير التجربة الوليدة، والتي تتسم بملامح الشعب والوطن. وسيحفظ له التاريخ ايضا، انه حافظ على دم الجزائريين، ولم يسمح بسقوط نقطة دم واحدة، وأوصل الوطن الجزائري العظيم إلى شاطئ الأمان.

رحم الله احمد قايد صالح، وأحر التعازي الأخوية للشعب الجزائري البطل برحيل رجل المرحلة ومهندسها وعرابها نائب وزير الدفاع.