رئيس سياسة حماس في الخارج خالد مشعل قطع الشكوك، وأكد يقين العارفين، والملدوغين من جحر جماعته الإخوانية، والمطلعين على الصغيرة والكبيرة وراء مراوغات حماس في دائرة المصالحة والوحدة الوطنية، وأحاديث جماعة الانقلاب على المشروع الوطني عن حكومة وفاق وطني، وتخريبهم المتعمد لمعنى الحرية، ولقيمة روح ونفس الإنسان الفلسطيني المقدسة، وكذلك معنى الوطن، فمشعل وخلال مقابلته مع صحيفة نيويورك تايمز قد طعن بقداسة الحرية بقوله: "إن الهجوم تسبب في دمار هائل لكنه "ثمن" يجب على الفلسطينيين أن يدفعوه من أجل الحرية". قالها وهو يعلم أن للشعب الفلسطيني بصرًا وبصيرة، وأن الحديث عن الحرية والتضحية مهما كان الثمن، مجرد تفوهات لتبرير فشل جماعته في "الحكم والمقاومة" انعكاس واضح ودقيق لتعاميم جماعته الإخوانية التي لا ترى قداسة لنفس الإنسان، ولا قيمة في موازينها للدم  الفلسطيني، فالمشعل عقلية دكتاتورية، انفضحت وانكشفت حتى  بدا فيه، كمن غطس في البحر مستترًا بمناديل ورقية. فقد قال: "إن المنتقدين الفلسطينيين لحماس يمثلون أقلية" وكأنه يريد لشعبنا أن يُسَبِح بحمد حماس، فيما آلة الإبادة الجماعية الهمجية الصهيونية تدمر فكرة الحياة في قطاع غزة، وسقط  متطوعًا في تكذيب قيادة حماس العسكرية والسياسية في قطاع غزة وعلى رأسهم يحيى السنوار، والعسكري رقم واحد في حماس محمد الضيف بقوله عن  عملية 7 أكتوبر ما علم عنها شيئًا إلا بالإعلام كما قال بلسانه يومها، مقدمًا فتوى جديدة مبتدعة بخصوصها مختلفة عن روايات أصحابه في الجماعة التي لم تتقن الكذب، رغم وقوفها على خط أرذل العمر "96 سنة"، فهاهو قد نطقها صحيحة صريحة : "إن الأمر لم يكن يتعلق بتحقيق نصر عسكري على إسرائيل بقدر ما كان يتعلق بجعلها تدرك أن سياساتها غير مستدامة ".

لكن مشعل لم يكلف نفسه التفكير بمصير شعار: "تحريرها قد بدأ" وتداعيات هذا الشعار على نفوس جماعته أفرادًا وقيادات وأنصاره المضللين، تأخر مشعل كثيرًا للاعتراف بفحوى مفاوضات جماعته مع منظومة الاحتلال "إسرائيل" والتي كانت تتم عبر الوسطاء للتمويه، فنحن قد سبقناه وكتبنا في هذا المقام، قبل أشهر، لكن  اعتراف مشعل يؤكد عمق وصواب رؤيتنا، فقد قال: "لم تكن الرؤية الإسرائيلية الأميركية تتحدث عن اليوم التالي للحرب، وإنما عن اليوم التالي لحماس"  فما يشغل بال حماس ليس الحرية ولا التحرير ولا الثمن، وإنما ضمان سلطة انقلابها في قطاع غزة، وبالمقابل تدمير أركان السلطة الوطنية، وإسقاط المشروع الوطني الفلسطيني، ووأد نواة الدولة الفلسطينية مهما كان الثمن، وها هو يعلن ذلك صراحة بقوله: "أنا واثق من أن الحركة سوف تلعب دورًا مهيمنًا في غزة بعد الحرب" فهو بقوله: "لحماس اليد العليا في غزة  وليست في عجلة من أمرها "يبعث برسالة إلى القيادة الفلسطينية، وقيادات فصائل منظمة التحرير، وقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" عبر الاعلام الأميركي "لا تتعبوا أنفسكم".

ولكن ألا يخفي هذا التصريح اطمئنانًا من نوع ما، بأن منظومة بنيامين نتنياهو ما زالت معنية بإبقاء سيطرة حماس على قطاع غزة ولكن بقدرة محدودة تمكنها من استدامة انقلابها وفصل قطاع غزة عن الدولة الفلسطينية جغرافيًا وسكانيًا، خاصة وأن المجتمع الدولي – بما فيه واشنطن - يرفض فكرة بقاء جيشه في قطاع غزة إلى أجل غير مسمى. لذلك قال مشعل باطمئنان: "إن مسؤولي حماس ليسوا في عجلة من أمرهم لإبرام وقف إطلاق النار مع إسرائيل بأي ثمن" وهنا يتضح لكل عاقل أن الثمن الذي تطلبه جماعة حماس ليس أكثر من استدامة  الانقلاب والانفصال تحت حكمها  وهذا ما دفعه للقول: "لقد أصبحت كل أوهامهم حول ملء الفراغ وراءنا"، وكشف عن  خواء أدمغة جماعته، وعبثية قراراتهم المصيرية بقوله: " قبل السابع من أكتوبر، كانت غزة تموت موتًا بطيئًا، كنا في سجن كبير وأردنا التخلص من هذا الوضع". أما بنيامين نتنياهو المتناغم فقد سبقه بالقول: "قبل السابع من أكتوبر لم نكن نملك الشرعية المحلية والدولية لإعادة احتلال قطاع غزة، أما اليوم فالأمر بات مشروعًا". فهل من كارثة ونكبة أفظع من رؤية حماس للخلاص.