مع نهايته يتجلى العام 2019 عاما فلسطينيا بامتياز، وعلى نحو ما أنجزت السياسة الفلسطينية التي موضعها الرئيس أبو مازن في إطاراتها الفاعلة، وبالواقعية النضالية التي أدركت مكامن القوة في خطاب الحق الفلسطيني، فأحيتها في ساحات المواجهة والصراع، قوة لا يمكن هزيمتها، لا بحكم أخلاقياتها فحسب، وإنما بحكم مصداقيتها بطروحاتها العادلة، وفي تقديرها واحترامها لقرارات الشرعية الدولية، وتعاملها المسؤول مع هذه القرارات، وهو ما مكن السياسة الفلسطينية، المستندة دوما إلى الثوابت الوطنية، وإلى صمود أبناء شعبها وتضحياتهم العظيمة، من وضع فلسطين دولة على مقعد المراقب في الأمم المتحدة، وبفاعلية جعلت من هذا المقعد، مقعدا جامعا لأصوات الجمعية العامة في الأمم المتحدة، لصالح الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني تباعا، وأحدثها القرار الذي اتخذته الجمعية العامة قبل بضعة أيام، بأغلبية ساحقة، والذي أعاد التأكيد على الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، ومنها سيادته الدائمة على أرضه المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وفي الأمم المتحدة كذلك، هزمت السياسة الفلسطينية، الحرب الأميركية التي شنتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، على حق العودة الفلسطيني، وهي تحاول الاطاحة بوكالة "الأونروا" من خلال تجفيف مواردها وتصفير موازنتها، غير أن مئة وسبعين صوتا جاء بها مقعد فلسطين المراقب في الجمعية العامة، قالت نعم لهذه الوكالة، لأن قضية اللاجئين الفلسطينيين ما زالت دونما حل عادل، وعلى أرضية هذا القرار توالت دول عدة أوروبية وعربية لتعلن دعمها "للأونروا" وأحدثهم اليابان التي قدمت 11 مليون دولار دعما لهذه الوكالة قبل أيام هنا في رام الله، خلال زيارة وزير الدولة الياباني للشؤون الخارجية "كيسوكي سوزوكي" وبعد لقائه مع الرئيس أبو مازن، وإثر اجتماعه مع رئيس الحكومة د. محمد اشتية.

ومع الأمم المتحدة، أسقط برلمان الاتحاد الأوروبي مقترحا لوقف المساعدات عن "الأونروا" مصوتا لصالح استمرارها، وقد جاء هذا التصويت، بعد جهود دبلوماسية فلسطينية لافتة، ألحقت الهزيمة باللوبي الإسرائيلي الذي أراد من الاتحاد الأوروبي وقف مساعداته لهذه الوكالة التي لم ينته بعد مبرر وجودها.

قبل ذلك وسم الاتحاد الأوروبي منتجات المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية لغرض مقاطعتها بحكم لاشرعية لهذه المستوطنات في الأراضي التي تحتلها، وبعد أيام ستصدر الأمم المتحدة قائمة بأسماء الشركات التي تتعامل مع هذه المستوطنات لوضعها على اللائحة السوداء، وكل هذا بالقطع هو نتاج السياسة الفلسطينية على الساحة الدولية، وهي تتقدم نحو تحقيق أهدافها العادلة والمشروعة.

وفلسطينية هذا العام تبدو أكثر توهجا كمثل شمس الحقيقة، مع قرار محكمة الجنايات الدولية، سعيها لفتح تحقيق كامل في الأراضي الفلسطيني المحتلة، وبما يعني وضع إسرائيل في قفص الاتهام، بكل ما يتعلق بجرائم الحرب التي ارتكبتها بحق شعبنا الفلسطيني، وهو القرار الذي أثار موجة من الغضب والخوف، بل والرعب في أوساط النخب الحاكمة في إسرائيل، الذي رأى نتنياهو أن يومها بات أسود بعد هذا القرار، وبالطبع قرار الجنائية الدولية جاء بعد حراك سياسي ودبلوماسي فلسطيني حثيث، تواصل على مدار السنوات الخمس الماضية ليحقق هذا الإنجاز التاريخي، والذي معه لم يعد بإمكان إسرائيل بشخوص متهميها، أن تتحرك كما يحلو لها في الساحة الدولية، والأهم بعد هذا الإنجاز، فإن فلسطين الدولة قد رسخت أقدامها في ساحة الفعل الدولي كقوة أخلاقية، لاتسعى لغير الحق والعدل والسلام، ولابد من التذكير هنا أن قرار الانضمام للجنائيات الدولية، كان الرئيس أبومازن قد وقعه تحديا للإدارة الأميركية، التي طالبته وبتهديدات خطيرة بعدم التوقيع على هذا القرار.

وأخيرا وليس آخرا، ثمة قرار للكونغرس الأميركي جاء مطلع هذا الشهر، جعل من الرئيس ترامب بإدارته الصهيونية، خارج الإرادة البرلمانية للولايات المتحدة، 226 صوتا في هذا المجلس لصالح حل الدولتين، وضد سياسة الضم والاستيطان الإسرائيلية، وبالقطع مرة أخرى فإن هذا القرار جاء بحكم الموقف الوطني الفلسطيني الذي موضعه الرئيس أبو مازن في أوضح وأقوى سياقات التحدي والمقاومة وبهدوء الواثق من صلابة شعبه وصموده، والحامل لمسؤوليات تطلعاته العادلة والنبيلة.

العام 2019 وبحكم فلسطينيته الباهرة، هو عام البشرى بعام جديد أكثر إشراقا بالحقائق الفلسطينية، التي تكرسها سياسة الحكمة والصلابة الوطنية، بواقعيتها النضالية، وقد صعدت خطوة كبرى نحو قيام دولة فلسطين السيدة، بعاصمتها القدس الشرقية ودائما مع الحل العادل لقضية اللاجئين.