على خلفية محاولات تشكيل الحكومة في (إسرائيل) بعد انتخابات ثانية جرت في خمسة شهور فقط، ما زال المشهد يتكشف أكثر فأكثر، بأن نتنياهو خلال فترة حكمه التي تجاوزت جميع رؤساء الوزراء قبله، كان قد نجح في مصادرة (إسرائيل) كلها، ابتداء من الحزب الذي انتمى إليه وأصبح قائده، وهو حزب الليكود الذي لم يشهد أحد ردة فعل ولو بالحد الأدنى لإنقاذ نفسه من براثن نتنياهو، فقد تصرف حزب الليكود الذي كان على رأسه مؤسسه الأول مناحيم بيجين، على اعتبار "الحزب أنا، وأنا الحزب" بل إن نتنياهو تصرف بنفس الكيفية في القضاء الإسرائيلي، وفي الخارجية الإسرائيلية، وفي وزارة الدفاع التي ظلت جزءًا من متاعه الشخصي، وتصرف في الإعلام الإسرائيلي الذي أصبح صوتًا شاذًّا ومخنوقًا بحسب حالة نتنياهو، فنتنياهو يقول لإسرائيل، أنا أو الطوفان، فهل يحدث الطوفان على نحو ما؟؟؟ هذا ما يستحق المتابعة والانتظار.

على الجانب الآخر، تصعد الأزمة السياسية الداخلية في أميركا، على يد دونالد ترمب الرئيس الخامس والأربعين، إلى ذروة أخرى من ذروات الانكشاف والفضيحة، بما يهدد باحتمال انفجار الوضع الداخلي الأميركي على مستوى الاتحاد، ومستوى الديمقراطية، ومستوى الدور الأميركي، والمركز الاقتصادي، ذلك أنّ مسألة "عزل ترمب" التي صممها الديمقراطيون، واختاروا لها التوقيت المناسب بقيادة رئيسة مجلس النواب "بيلوسي" وجعلت كل محاولة من ترامب لإنقاذ نفسه تغرقه في تعرية جديدة، وفضيحة دستورية جديدة، فبعد انكشاف ترامب في التورط في إدخال دولة أجنبية طرفًا في انتخابات 2020 هي أوكرانيا عبر رئيسها زيلنسكي، انكشف ترامب أكثر بمحاولة إدخال الصين، ومشكلة ترامب الواضحة، أنّه محبط وذو نفس قصير في هذا النزال، ينكر ثُمَّ يعترف، ويأتي الاعتراف على خلفية فهم شاذ للأمور، كما سبق وأن فعل مع القضية الفلسطينية وقيادتها وشعبها التي كانت أول من تسبب له في الانكشاف الفاضح، حين أعطى حليفه نتنياهو بنوع من التطاول الغبي ما يستحيل تمريره، فوقف عنيدًا مستقويًا بما لا يفعله سوى الأغبياء.

الاستماع إلى الشهادات أمام لجنة ثلاثية بدأ فعلاً ابتداء من يوم الخميس وراء الأبواب المغلقة، والاتهام يتوسّع ليشمل كل أركان الإدارة الأميركية ابتداء من ماك بينس نائب ترامب إلى ماك بومبيو وزير الخارجية إلى جولياني المحامي الخاص ووليم بارنز وزير العدل، والاحتمالات كثيرة فهناك من سيحاول النجاة عبر إغراق الأخرين، والتورط بين ترامب ونتنياهو يفوق الحدود، والأسئلة تتقافز بجنون، هل يبحث نتنياهو عن صفقة خارج الحكم للهروب من السجن المحتمل؟؟؟ وماذا يفعل ترامب، حين تغلق في وجهه كل أبواب الهروب؟ هل ينتحر؟؟؟

في هذه الدراما الخارقة لا شيء مستبعَج، فقد يقوم الطرف الخاسر بإشعال نار الحرب الأهلية!!! كل الاحتمالات واردة، المهم في هذا الجو الصاخب أن تمتلك الأمة العربية الحد الأدنى من الثبات والثقة بالنفس والارتكاز إلى الثوابت، فمن العار أن يكون الصراع مفتوحًا في تل أبيب، وواشنطن بينما نحن ندفع الثمن، وفي كل الأحوال فإنَّ القيادة الفلسطينية التي كانت قد أعلنت أنَّ أميركا بقيادة ترامب لا تصلح لأن تلعب دورًا، وأنَّ (إسرائيل) بقيادة نتنياهو لا تستحق الثقة، كانت هي القيادة الواعية، وجاءت كل مجريات الأمور في صالح رؤياها، فالصبر والثبات هما مفتاح الفرج، وإنَّ النصر لقريب.