في الوقت الذي تتخذ فيه حركة حماس ومن يناصرها من القوى موقفا سلبيا من توجه القيادة الفلسطينية للأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران /ينونيو 1967، يتوافق للأسف الشديد مع خيار حكومة نتنياهو والولايات المتحدة. مع ان قيادة تنظيم حركة الاخوان المسلمين الدولي قررت المشاركة في الفعاليات الداعمة للتوجه

 الفلسطيني، دون ان يفهم من ذلك ان الاخوان المسلمين تروج او تدعم الرئيس محمود عباس. وخلفية موقف التنظيم الدولي افتعال فوضى «بناءة» لحساباتهم الخاصة ليس فقط في فلسطين وانما في الدول العربية المختلفة المدرجة على أجندة الاخوان لتغيير نظامها السياسي. في هذا الوقت، يقوم الامير السعودي، تركي الفيصل بكتابة مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بعنوان «استخدموا الفيتو ضد الدولة الفلسطينية - اخسروا تحالفكم مع السعودية»، الأمر الذي يكشف الفرق الشاسع بين أدعياء «الوطنية» و»المقاومة» المأزومين وبين العرب المساندين للخيار الوطني. أولئك العرب الذين لا ينتظرون شيئا سوى دعمهم الحقيقي للحقوق الوطنية دون رياء، غير عابئين بالنتائج السلبية الناجمة عن مواقفهم الشجاعة، التي يمكن ان تصدر عن الادارة الاميركية او غيرها.

مقالة الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي، سفير السعودية السابق في لندن والولايات المتحدة، ذات دلالات متميزة. تكمن أهميتها في أولاً مكانة الرجل الذي كتبها. وثانياً مكانة الدولة التي يمثلها. وثالثاً الرسالة التي حملها المقال. ورابعا الدولة الموجه لها الرسالة. وخامسا التوقيت الذي اختاره لدعم الموقف الفلسطيني. وسادسا الأهمية السياسية للمقال، التي تقطع الشك باليقين عن دعم العربية السعودية للموقف الفلسطيني. سابعا الرد على أصحاب المواقف المتلونة والملتبسة، التي تعلن شيئاً وتمارس من تحت الطاولة شيئا آخر.

تركي الفيصل امتشق قلم الحقيقة والمسؤولية العربية، حين صارح الادارة الأميركية بما ستؤول اليه الأمور في حال استخدمت حق النقض (الفيتو) لا سيما وان العرب تساوقوا طيلة ثمانية عشرة عاما مع سياسات الولايات المتحدة في ملف التسوية السياسية. وضغطوا على أشقائهم العرب المنخرطين في العملية السياسية مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية وخاصة اخوانهم الفلسطينيين للتجاوب مع التوجهات الأميركية والأوروبية لتحقيق السلام من خلال تحفيز القيادة الاسرائيلية لتجاوز عقدة الحرب والغيتو. لكن كلما تقدم الفلسطينيون والعرب خطوة تجاه حكومات الدولة العبرية طيلة العقدين الماضيين، كلما انكفأت خطوات عن خيار السلام، وكلما تقدمت بشروط تعجيزية جديدة، ما أدى لاصطدام العملية السياسية بموانع إسرائيلية غير مسبوقة أدت لاغلاق دائرة المفاوضات. أشار الأمير تركي الفيصل دون مواربة او تلكؤ لما سينجم عن الفيتو الأميركي ضد مشروع القرار الفلسطيني العربي الخاص بعضوية دولة فلسطين على حدود 67، المدعوم من دول العالم المختلفة، حين قال «يتوجب على الولايات المتحدة ان تدعم المبادرة الفلسطينية من اجل الدولة في الأمم المتحدة، او ان تخاطر بخسارة المصداقية الضئيلة التي بقيت لها في العالم العربي». وأضاف رئيس المخابرات السابق «وإذا لم تفعل ذلك، فستقلص النفوذ الأميركي أكثر(في المنطقة)، ويتناقص الأمن الاسرائيلي، وتتقوى إيران، ما سيزيد من فرص وقوع حرب أخرى في المنطقة».

ولم يقتصر تحذير سفير المملكة السعودية في بريطانيا وأميركا عند ما تقدم، بل تابع مبينا الخسائر الأميركية، التي قد تنجم عن استخدامها حق النقض (الفيتو) حين أشار الى « وبالاضافة لهذا، فلن تتمكن السعودية بعد ذلك من التعاون مع الولايات المتحدة بنفس الطريقة التي قامت بها تاريخيا». وتابع «وربما سيضطر الزعماء السعوديون بسبب ضغوط محلية واقليمية لتبني سياسة خارجية أكثر استقلالية وحزما. (...) وربما تتبنى السعودية سياسات أخرى تتعارض مع السياسات الأميركية، بما في ذلك معارضة حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ورفض فتح سفارة هناك على الرغم من الضغوط الأميركية للقيام بذلك. وربما تتباعد الطرق بين الحكومة السعودية وواشنطن في أفغانستان واليمن ايضا».

وعن أهمية الدور السعودي ومركزيته في صناعة السلام، أشار الأمير تركي الى اعتراف المسؤولين الاسرائيليين على انفراد مع نظرائهم الأوروبيين بثقل ذلك الدور، بتأكيدهم (الاسرائيليون) «أن السعودية فقط هي التي ستكون قادرة على منح الفلسطينيين الشرعية الدينية والسياسية والمالية التي يحتاجونها لانجاز اتفاق مع اسرائيل».

ولحثه الولايات المتحدة لعدم استخدام حق النقض (الفيتو) أضاف رئيس جهاز المخابرات السعودي قائلا «والخاسران الوحيدان في هذا السيناريو (دعم الادارة الاميركية التوجه الفلسطيني في الأمم المتحدة) قد يكونان سوريا وايران، وهما دولتان منبوذتان عملتا دون كلل - من خلال دعمهما لحماس وحزب الله - (وهذا موقف لا يحتاج الى تعليق لأنه جلي وواضح في دلالاته في رفع الغطاء عن حركة حماس وحزب الله) على نسف عملية السلام». الرسالة التي اراد الفيصل إبلاغها لاسرائيل ولادارة اوباما، اذا كنتم حقا ضد ايران وسوريا وأدواتهما في المنطقة، واذا كنتم مع خيار حل الدولتين للشعبين على حدود حزيران 1967، عليكم دعم الموقف الفلسطيني والعربي وليس العكس.

موقف الأمير تركي الفيصل يستحق الثناء والتعميم في الأوساط الفلسطينية والعربية، واعطاءه ما يستحقه من التغطية الاعلامية في المنابر المختلفة، وقراءته قراءة متعمقة بعيدة عن العواطف والانفعالات او الاعتبارات النفعية الآنية، كونه يشكل نبراسا في هذه الآونة الحاسمة من معركة نيل العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية على حدود 67، وفي خضم التحولات الدراماتيكية العربية، لاسيما وان السعودية مازالت تحتل مكانة وثقلا سياسيا مركزيا في الساحة العربية والاسلامية.