فيما تتصاعد التحديات أمام القرار الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة في هذا الشهر، وتتزايد التحركات الأميركية لمنع الفلسطينيين من مواصلة طريقهم، لا يزال الموقف العربي واهناً وضعيفاً، لا يرقى إلى مستوى التحديات الأميركية والإسرائيلية التي لا تتوقف عن التهديد، بإجراءات بعضها معلوم وأكثرها غير معلوم.

لا يكفي أن تجتمع لجنة متابعة مبادرة السلام العربية، أو أن تجتمع المجموعة العربية في الجامعة، لتصدر بياناً يؤكد الاستمرار في التحرك لدعم التوجه الفلسطيني في الأمم المتحدة، فالكلام اليوم يختلف عنه قبل "ربيع الثورات العربية"، حين كانت البيانات النارية تصدر عن القمم العربية والاجتماعات، دون أن تجد لها أي قدر من الملموسية في مجال الممارسة. في "ربيع الثورات العربية" الكلمات لها دلالات حقيقية، ولها أثمان حقيقية، فالجماهير الشعبية التي تسعى إلى التغيير وتتوق إليه لم تعد تنطلي عليها الكلمات غير المسؤولة والفارغة من مضامينها، المسؤول الرسمي سواء في البلدان التي تغيرت أنظمتها أو التي لا تزال على حالها يعرف تماماً ما الذي يعنيه الكلام والفعل في هذا المنعطف التاريخي.

رئيس جهاز المخابرات السعودي السابق، كان قد انفرد بتصريح مهم بل مهم جداً حين حذر الولايات المتحدة، من مغبة استخدام "الفيتو" ضد الطلب الفلسطيني إلى مجلس الأمن، وكان هذا التحذير ينطوي على وعي وإدراك حقيقي لما يمكن أن ينتظر السياسة الأميركية، ومن يتواطأ معها من المسؤولين العرب في حال واصلت قتالها دفاعاً عن إسرائيل.

يعرف المسؤول السعودي أن استخدام واشنطن لـ "الفيتو" في وجه الطلب الفلسطيني يلقي على عاتق المسؤولين العرب ضرورة اتخاذ مواقف جادة وجريئة وعملية إزاء ما تقوم به الإدارة الأميركية وإلا فإن هؤلاء المسؤولين العرب سيترتب عليهم أن يدفعوا الثمن، ذلك أن الشارع العربي ينتظر سبباً مباشراً يدعوه للتحرك من أجل تغيير الأنظمة السائدة. النموذج العملي لمثل هذه التوقعات يقدمه الشارع المصري، الذي عبر عن غضبه الشديد بسبب العدوان الإسرائيلي المتغطرس، الأمر الذي يعزز الاعتقاد بأن رد فعل هذا الشارع على الموقف الأميركي في مجلس الأمن لن يكون أقل غضباً.

والحقيقة أن الموقف الجماعي العربي ينبغي أن يتحرك بقوة أكبر، وجرأة نحو الآتي:

أولاً لماذا لا يتبنى العرب جوهر التصريح الذي أدلى به رئيس جهاز المخابرات السعودي، بمعنى أن يصدر تحذير جماعي عربي لواشنطن من أنها ستواجه خطوات عربية جريئة ضد سياساتها في حال استخدمت "الفيتو" ضد الطلب الفلسطيني. إن معيار مصداقية الموقف العربي المتبني للطلب الفلسطيني، هو في إظهار الاستعداد لخوض التحدي ضد سياسات الولايات المتحدة الداعمة كلياً لإسرائيل، مقابل التجاهل الكلي للحقوق الفلسطينية والعربية. لن يفيد العرب الرسميين، مواصلة التساهل والخوف إزاء المواقف الأميركية المعادية للحقوق العربية والفلسطينية، ذلك أنهم من سيدفع ثمن هذا التساهل، وهذا التخاذل، وبالتالي فإن عليهم أن يفكروا ملياً في تحديد أولوياتهم، فإما أن تكون مصالحهم واستقرارهم وإما أن تكون لصالح السياسات الأميركية الظالمة.

ثانياً لا بد من أن يصدر عن المجموعة العربية قرار واضح، معلن وجريء بأن العرب سيتحملون المسؤولية كاملة عن تغطية احتياجات السلطة المالية، لحمايتها من الابتزاز الأميركي، الذي يهددها بقطع التمويل المالي عنها. إن الحقوق الفلسطينية والعربية لا يمكن مقايضتها بالمال السياسي المشروط أو غير المشروط، والعرب في كل الحالات قادرون على حماية حقوقهم، وعدم تعريضها لعقوبات السيد الأميركي الذي لا يرى إلا مصالحه ومصالح حليفته إسرائيل. لقد مضى الوقت الذي تتحكم فيه واشنطن في قرار المال العربي، وعلى العرب أن يثبتوا ذلك بالملموس.

ثالثاً فيما نلاحظ النشاط الأميركي والإسرائيلي المحموم لمنع السلطة من مواصلة سعيها نحو الأمم المتحدة، وفيما تستخدم الإدارة الأميركية نفوذها، وإمكانياتها للضغط على دول العالم من أجل إفشال التوجه الفلسطيني، فإن التحرك السياسي والدبلوماسي العربي لا يزال عند حدود حركة السلحفاة.

إن تحركاً عربياً نشيطاً، من شأنه أن يؤثر إيجابياً على قرار الاتحاد الأوروبي بشأن الطلب الفلسطيني، هذا القرار الذي لا يزال مرتبكاً، وقلقاً، وينوس بين عدم الرغبة في تحدي الموقف الأميركي الإسرائيلي وبين القناعة بعدالة الطلب الفلسطيني.

إن الارتقاء بالمواقف العربية إلى هذا المستوى من شأنه أن يعزز الإرادة الفلسطينية وأن يقوي الموقف الفلسطيني في مواجهة الضغوط الخارجية الأميركية أساساً والإسرائيلية، أو أصحاب المواقف الوسطية الغامضة الذين يسعون لفك الحرج عن أنفسهم من خلال مطالبة السلطة بالقبول بالدعوات التي لا همّ لها سوى، توقف الفلسطينيين عن مسعاهم. وفي الحقيقة، فإن تستر الفلسطينيين على المواقف المتخاذلة والضعيفة سواء لبعض الدول العربية، أو الدول الأوروبية، ومواصلة اعتماد سياسة المجاملة، والقبول بالحد الأدنى من المواقف، كل ذلك لا يساعدهم على مواجهة التحديات التي تنتظرهم. إن الفلسطينيين هم أصحاب القضية، وعلى صلابة موقفهم، يتوقف الأمر، فإما أن يحققوا إنجازاً كبيراً يستحق أن يدفعوا ثمنه، وإما أن يقتفوا آثار أبطأ الإبل.