لنطفيء النار

هآرتس- أسرة التحرير:12/9

اقتحام السفارة الاسرائيلية في القاهرة هو ذروة الاحتجاج الجماهيري المصري ضد سياسة اسرائيل بشكل عام، وقتل الجنود المصريين بشكل خاص. وعلى نحو طبيعي تبعث الاحداث قلقا عميقا على مستقبل اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر. ولكن شغب الجماهير – الذي تنكرت له معظم حركات الاحتجاج المصرية – موجه أيضا ضد النظام الجديد في مصر ويتحداه في كل ما يتعلق بادارة السياسة الخارجية. هذا النظام، كما من المهم التشديد، يتمسك بكل الاتفاقات التي وقعت مع اسرائيل، ويصف اقتحام السفارة كعمل "يمس بصورة مصر ومكانتها الدولية"، على حد تعبير وزير الاعلام المصري اسامة هيكل.

وبالقياس الى تركيا، التي قررت طرد السفير الاسرائيلي كعقاب على قتل مواطنيها والاصرار على عدم الاعتذار، فان مصر لم تتخذ خطوة مشابهة بعد مقتل جنودها. يبدو في هذه الاثناء، انه مثلما في تحديات اخرى طرحتها اسرائيل على حلفها الاستراتيجي مع مصر، يعتبر الان ايضا هذا الحلف ذخرا حيويا لا ينبغي تركه لمصيره في يد المشاغبين: حرب لبنان الاولى، الانتفاضة الثانية واستمرار بناء المستوطنات وإن أدت الى اعادة السفير المصري ولكنها لم تؤدي الى مس حقيقي بالعلاقات مع اسرائيل.

ومع ذلك، سيكون من قبيل الخطأ الاستراتيجي من جانب اسرائيل اذا تجاهلت السياق الواسع لاقتحام السفارة في القاهرة وتناولت الامر كحدث موضعي سيجد حله باعتقال المشاغبين وتقديمهم الى المحاكمة. لقد تغيرت قواعد اللعب مع مصر. سياسة الغمزات والتفاهمات الصامتة لعهد حسني مبارك تقف الان امام المحاكمة ولم يعد ممكنا بقاؤها. وللرقابة العامة على السياسة الداخلية والخارجية للنظام الجديد قوة لم تكن لها في الستين سنة الاخيرة. وكي يكون ممكنا بقاء التحالف الاستراتيجي مع مصر، وكذا مع الاردن، تركيا ودول اخرى، سيتعين على اسرائيل أن تقترح سياسة حقة وحلولا حقيقية للنزاع مع الفلسطينيين؛ عليها أن تنفض عنها شعارات فارغة حول المكانة والعزة الوطنية والاعتراف بالتغيير العميق الذي طرأ على مكانتها.

 

زيارة السلطان

يديعوت أحرونوت – اليكس فيشمان:12/9

سيهبط اليوم على ارض القاهرة أكبر اللاعبين في الشرق الاوسط. السلطان التركي يهبط في مصر.

كلما أظهر اردوغان اخفاقا أكبر باسرائيل، ارتفعت أسهمه في المنطقة. وسيتم استقباله في القاهرة باعتباره بطلا قوميا. لكن هل يعقد إزاء ناظرنا حلف استراتيجي تركي مصري جديد يهدد اسرائيل؟ لا كما يبدو.

لا يجوز لنا أن نقع في شرك ألقاب التفخيم في الشرق الاوسط التي من المحقق انها ستحطم ارقاما قياسية حينما يسقط زعيما تركيا ومصر أحدهما على عنق الآخر. فمصر الرسمية تعرف جيدا الحساسيات الاقليمية. ولن يتجرأ المصريون ما ظل المجلس العسكري يحكم الدولة على المس بمصالح امريكية – ومن ضمن ذلك التوقيع على اتفاقات عسكرية مضادة لدولة صديقة للولايات المتحدة.

وهذا هو السبب الذي سيجعل اردوغان لا يأتي الى غزة. صحيح ان الامريكيين أوضحوا له عدم رضاهم عن الزيارة المتوقعة لكن ليسوا هم وحدهم، فقد نجح المصريون ايضا بدهاء في منع الزيارة، فقد أوضحوا للاتراك بأدب ان زيارة كهذه قد تنشيء مشكلات امنية صعبة. قرر المصريون ان هذه الزيارة غير جيدة لهم ولا للمنطقة. فهي ستغضب السلطة الفلسطينية، وتغضب اسرائيل، وتقوي الاخوان المسلمين، وتُهيج مجلس النواب الامريكي وتثير عصبية وزارة الخارجية الامريكية. والامريكيون لا يهمهم أن تتقارب اثنتان من دعائم سياستهم في الشرق الاوسط – تركيا ومصر – بعضهما من بعض، لكن لا على حساب الدعامة الثالثة، الاسرائيلية.

على خلفية تبادل الضربات الدبلوماسية بين اسرائيل وتركيا وتهريب ناس السفارة الاسرائيلية من القاهرة، يوجد عندنا ميل طبيعي الى ان نرى ظل الجبل مثل جبل. لكن لا يجوز لنا أن ننسى أن هذه الزيارة خُطط لها قبل شهرين، والى ذلك ستبقى تركيا ومصر، برغم جميع الأخوة والاحتضان والقُبل، ستظلان دائما عن جانبي متراس العالم الاسلامي. فالعرب لن يُمكّنوا من فرض هيمنة اجانب عليهم: لا الاتراك ولا الايرانيين.

في عهد مبارك ساد توتر راسخ مكشوف بين تركيا ومصر وهما دولتان تتنافسان على مقام الهيمنة في العالم الاسلامي. وعلى أثر الثورة وبازاء ضعف مصر نشأت لاردوغان فرصة أن يحاول الاقتراب من مصر، باعتبارها جزءا من مسار زيادة التأثير التركي في المنطقة.

يحلم اردوغان بأن يتبنى المصريون النموذج التركي في صوغ وجه بلدهم الجديد.

الآن سيهبط في القاهرة ويعلن: نحن أخوة وجئنا للمساعدة، وسنكون نموذجكم. وقد جاء الى مصر لاظهار التفوق التركي في المنطقة. وفي نفس الوقت يرسل اشارة الى الايرانيين الذين يطلبون الى تركيا تغيير علاقتها مع سوريا وهي قوله أنا قادر على تدبر أمري من غيركم ايضا.

بين مصر وتركيا اليوم عدة شؤون مشتركة للتعاون: الشأن السوري والشأن الفلسطيني وغيرهما. ولا شك في أن الاتراك سيقترحون على مصر مساعدة اقتصادية.

ان العلاقات بين الجيشين اليوم أفضل مما كانت من قبل، وتتحدث الدولتان عن تدريبات مشتركة ربما باعتبارها تعادل توثق العلاقات بين اسرائيل واليونان.

اذا كان يوجد شيء يخشونه في اسرائيل فهو امكانية أن يتحدث اردوغان تحدثا تحريضيا على اسرائيل اثناء الزيارة.

بعد الأحداث في السفارة الاسرائيلية في القاهرة، يحاول المصريون خاصة تليين الازمة مع اسرائيل. ويمكن التركي أن يُفسد الامور هنا.

لكن الهدف المركزي لزيارة اردوغان للقاهرة واحد وهو الاستمرار في تعظيم اسمه في الشرق الاوسط، والمطلوب من مصر أن تمنحه الزينة.

 

شرق أوسط جديد

معاريف - البروفيسور عوزي رابي:12/9

(المضمون: ما سيحصل في مصر سيدل على اتجاه الثورات الاخرى في العالم العربي. الوضع يستدعي من اسرائيل شحذ ادواتها الاستراتيجية).

حتى بعد السيطرة على السفارة في القاهرة يجب أن نؤمن بانه يمكن ترميم العلاقات مع مصر، حتى وان كان بشكل جزئي. ومع ذلك، فواجب البرهان يقع أساسا على القيادة المصرية. فقد كان واضحا ومعروفا بان القيادة الجديدة ستختار طريقا آخر، طريقا وسطا، بالقياس الى مبارك. عرفنا انها ستكون أقل تأييدا لاسرائيل وللغرب. لم نعرف اننا سنحصل على برهان بهذا الوضوح على أن الحكم  لا ينجح في السيطرة بشكل فاعل على ما يجري في مصر. هذا العجز مقلق.

مصر تشكل الان حالة اختبار، تشير الى اين ستسير الثورات في العالم العربي. مصر كانت دوما رأس الحربة، وما حصل هناك يدل على ميول اقليمية. في هذه الثورة حصلنا على قيادة عسكرية، ولكن واضح الان ان الحديث لا يدور عن انقلاب عسكري. الثقافة السياسية تجتاز تغييرا، وتوزيع القوة سيكون مغايرا.

الجميع يأمل في أن تؤدي القوة التي ستقع في يد الجمهور المصري الى سياقات صحية في بناء دولة وليس الى الاحداث التي رأيناها في الايام الاخيرة. ومع ذلك، يتبين بان دوافع القوى الراديكالية قوية بلا قياس أكثر من قوة العناصر التي أدارت الثورة. القوة المحركة في الهجوم على السفارة كانت الجماعات الاسلامية وفروع من الاخوان المسلمين. هؤلاء اناس يدقون اسفينا في الثورة العربية، ويأتون بها الى بوابات السفارة الاسرائيلية كي يرى الآخرون بان أجندتهم هي التي تملي الوتيرة.

اذا نظرت اسرائيل الى اعلى، الى الوجه الجديد للشرق الاوسط، فانها سترى انه تحدث ثورة جغرافية سياسية. اتفاق السلام الاسرائيلي – المصري الذي كان اساسا جوهريا في كل صورة مستقبلية لشرق أوسط مستقر ومحب للسلام، يوجد في ميل تآكل وتضاؤل. وعندما نضيف الى ذلك التوجه المستقبلي غير الوضح لتركيا، تنشأ صورة جديدة تلزم اسرائيل باجراء اعادة تقويم وشحذ ادواتها الدبلوماسية. في هذه الساعة المنطقة متعلقة بشعرة.

من الجانب الاخر توجد مجموعة من دول الخليج الفارسي بما فيها السعودية، قلقة مما يجري. وهي ترى انعدام الاستقرار الذي يتشكل هنا، في دولة إثر اخرى. وهي تفهم بان كل ثورة كهذه، كل دولة عربية تسقط، تزيد الخطر. يدور الحديث عن دول كانت كفيلة بان تشكل، في المستقبل شركاء لحوار مع اسرائيل.

كما ثبت اليوم ايضا ان الامريكيين الذين اعتقدوا بان الثورات ستؤدي بالدول العربية الى الحقل الغربي، لم يفهموا جيدا "الربيع العربي". رغم أمل اوباما في أن يملي الجمهور وتيرة اخرى، واضح اليوم بان كل ثورة يمكن أن تنتهي بشكل معاكس لما أُمل به. يوجد اليوم لاعبون اقليميون يشعرون بان الولايات المتحدة فقدت الارتفاع. السياسة الامريكية شحبت وتترك فراغات كثيرة، ستستغلها قوى اقليمية كتركيا وايران. من المهم متابعة القوى العظمى الصاعدة مثل روسيا والصين ورؤية كيف تنخرط في الشرق الاوسط.

كل هذه التحديات تتعاظم من خلال التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة في أيلول. حدث موضعي واحد تقوم به منظمة صغيرة و "مجنونة"، من شأنه أن يؤدي الى مواجهة واسعة بما في ذلك بين دول كاسرائيل ومصر، بسبب الطاقة الكامنة للتفجر.

ما سيثبت بعد ايلول هو أن النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، مع كل الاحترام له، ليس كل شيء. كلنا نأمل بان نجد حلا ما، سلاما جزئيا، ولكن في نهاية المطاف سنفهم ان جزءا من الامور تجري في ساحات اخرى. الامل هو أن نرى في المستقبل الاستقرار والهدوء، ولكن على المدى القصير والمتوسط من المتوقع لنا انعدام استقرار عضال.