خاص/ مجلة القدس العدد 316- حـوار: عدي غزاوي
بعد مرور ثماني سنوات على الانقسام ما زالت اعراضه ومشكلاته تزداد يومًا بعد اخر، وخاصةً بفعل انفصال الضفة عن غزة وسيطرة حركة حماس على الأخيرة وممارستها للحكم فيها بقوانينها وقرارتها الخاصة. ومؤخّرًا أصدر الفريق الوطني لقاعدة البيانات الوطنية في ديوان الرئاسة تقريرًا يرصد فيه القوانين والقرارات غير الشرعية التي اصدرتها حماس خلال الفترة الممتدة بين عامَي 2007 و2014. وللاطلاع على أبرز ما رُصِد في التقرير كان لنا هذا اللقاء مع رئيس الفريق الوطني لقاعدة البيانات الوطنية في ديوان الرئاسة م.منير سلامة.
ما هي وظيفة الفريق الوطني لبناء قواعد البيانات؟
شُكِّل الفريق الوطني لبناء قواعد البيانات الوطنية بمرسوم رئاسي صدر العام 2011، ويهدف هذا الفريق لإجراء كثير من الدراسات وجمع الارشيف والبيانات والمعلومات الخاصة بكل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير ودوائرها لوضع صانع القرار السياسي بصورة ونتائج الدراسات والابحاث وجمع البيانات والوثائق وبالتالي مساعدة صانع القرار السياسي في اخذ القرار.
هل لك أن تطلعنا على ما تضمّنه التقرير الذي أصدرتموه حول تجاوزات حماس منذ العام 2007؟
بداية لا بد من الاشارة إلى أن الفريق يعمل بالاساس على صعيد وطني ليس مختصًا بما جرى بغزة، ولكن في ظل العمل اصبح لدينا وضوح شامل فيما يتعلّق بما جرى في غزة على اعتبار ان هنالك وثائق كانت تُصدِرها كتلة حماس التشريعية في المجلس التشريعي في غزة، و(الحكومة الـمُقالة) حتى لا تنطبق عليها صفة الـمُقالة من الناحية القانونية، فكانت تُصدِر اعداد الوقائع الفلسطينية، (جريدة تصدر فيها القوانين الجديدة وتعديلات القوانين القديمة)، في المحافظات الجنوبية ما بين عامَي 2007 و2012، وقد نشرت حماس في الأعداد ما بين 71 إلى 91 كل قرارت المجلس التشريعي في غزة الذي كان يجتمع فقط بالكتلة التشريعية الخاصة بحماس وعددها 25 عضوًا من اصل 132، أي ما يعادل 19% من المجلس التشريعي، وهذا لا يشكّل اي نصاب قانوني يعطي الصبغة القانونية للقرارات او القوانين التي سنّتها حماس.
وفي هذا الاطار عمل الفريق على إجراء دراسة مسحية لما بين عامَي 2007 و2014 للمجلس التشريعي والحكومة التي شكّلتها حماس في غزة، وتبيّن أنها أصدرت 124 قرارًا، وعقدت 77 اجتماعًا واصدرت 47 قانونًا بينها 32 قانونًا جديدًا، و15 قانونًا معدّلاً، وكل هذا عمليًا من الناحية الدستورية باطل لعدم انطباق أي شرط عليه.
أمّا على المستوى الحكومي، فالحكومة الحادية عشرة، حكومة الوحدة الوطنية، التي كان يرأسها السيد اسماعيل هنية وينوب عنه السيد عزام الاحمد وفيها سلام فياض والكثير من الوزراء فقد شُكِّلت بمرسوم رئاسي وسُمِّيت حكومة الوحدة الوطنية، ولكن هذه الحكومة أُقيلَت بمرسوم رئاسي في 14/6/2014، مما يجعل كلّ ما يصدر عنها باطل، في حين أن حكومة حماس اصدرت ما مجموعه 2446 قرارَ مجلس وزراء في العام 2014، وهي تعد بالتالي صادرة عن جهة لا تملك الصفة الشرعية والقانونية باسم الحكومة، علمًا أنّ هذه القرارت مسّت كل مناحي حياة المواطن الفلسطيني، وجعلته رهينةً لها تحت مسمّى الامر الواقع، وقد كانت هذه الحكومة تزوّر قرارتها وتكتب انها الحكومة رقم11، أي حكومة الوحدة الوطنية التي أُقيلَت، وهذه القرارت موجودة ومشروحة. فمثلاً هناك وثيقة تبيّن القرارات التي كانت تُصدِرها هذه الحكومة وتكتب فيها البيانات منها قرار مجلس وزراء "249" للعام 2014 بشأن اللائحة التنفيذية، وبغض النظر عن مضمون القرار لكن لماذا كانت تقول (الجلسة المنعقدة في غزة تحت رقم "29" رقم القرار "343" رقم الجلسة، الحكومة 11 مجلس الوزراء اسماعيل هنية)؟ لقد كانت حماس تسعى على مدى 7 سنوات للحصول على الصفة التمثيلية بأنها هي حكومة الوحدة الوطنية وانها حكومة شرعية وحكومة قانونية، ولم تترك شيئًا لم تَطَله قراراتها من التعيينات بالتوظيف والترقيات، وتغيير الهيكليات، لانشاء المؤسسات والهيئات وتخصيص الاراضي الحكومية، وهذا أفردنا له بابًا مُستقلاً، مع الإشارة إلى أن جميع قرارات حكومة حماس كانت تنطلق من مبدأ واحد لتحقق غاية واحدة هي تعزيز الانقسام و الانفصال.
ما هي أبرز نماذج القرارات التي قامت حماس من خلالها بتعزيز الانقسام؟
من أبرز هذه النماذج:
*قرار معادلة حقوق السجناء السياسيين لدى السلطة الفلسطينية بحقوق الاسرى في سجون الاحتلال
في العام 2006 أصدرت حكومة حماس- التي كانت قد نالت الثقة من المجلس التشريعي وباشرت اعمالها يوم 17/3/2006 بعد أن كلّف سيادة الرئيس السيد اسماعيل هنية بتشكيلها، فشكلّها حماسًا خالصًا- قرارًا بالموافقة المبدئية على المقترح المقدَّم من وزير شؤون الاسرى بشأن احتساب واعتماد سنوات الاعتقال لدى السلطة الوطنية الفلسطينية ومعادلة حقوق السجناء السياسيين لدى السلطة الوطنية الفلسطينية بحقوق الاسرى لدى الاحتلال السياسي، أي أن رئيس حكومة الوطنية الشرعية التي مُنِحت الثقة ووصلت بشكل ديموقراطي الى الحكم وبسلاسة شهد لها العالم اجمع، قارن بين السلطة والاحتلال، وبالتالي فمن يأتِ للحكم في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية بعد 3 اشهر ويتحدّث بهذه اللغة لا شكّ أنه لم يأتِ الى الحكم قائدًا بل جاء حاقدًا وكان يؤسّس للانقلاب الذي وقع.
وفي الوقت ذاته لا بدّ أن نسأل: من الذي قال ان هنالك معتقلين سياسيين لدى السلطة الوطنية الفلسطينية؟ الحقيقة أن من اعتُقِلوا كانوا يحملون سلاحًا غير شرعي أو قاموا بتبييض الأموال أو أي عمل مخالف لأحكام القانون الفلسطيني سواء أكانوا من "فتح" ام الشعبية ام الديمقراطية ام فدا ام حماس، وغيرهم.
*قرار تبيان خطورة زيارة المسجد الاقصى
صدر هذا القرار بتاريخ 8/5/2012 ويحمل الرقم "144" بشأن تشكيل لجنة خاصة للقيام بحملة لبيان خطورة توجيه دعوة للعلماء لزيارة المسجد الاقصى، وقد جاء صدوره في الفترة نفسها التي أصدر فيها القرضاوي فتوى تحريم زيارة القدس، بمعنى أن حماس ترجمت فتوى تنظيم الاخوان المسلمين بقرار صادر عن مجلس الوزراء، بالتأكيد هذا القرار ليس مُلزِمًا، ولكنه يمثل هذه العقلية الحاكمة في غزة المؤتَمرَة بأمر الاخوان المسلمين.
*قرار جمع الضرائب من المحافظات الجنوبية فقط
بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي تشكّلت في 2/6/2014 صدر في 11/2/2015 قانون التكافل الاجتماعي، وفحواه جمع الضرائب في غزة فقط وبالتحديد في المحافظات الجنوبيّة فحسب! فأين في دول العالم يوجد قرار يتحدث عن جمع الضرائب في قطعة من الدولة؟! الضرائب تُجمع من كل مواطني الدولة ولا تُجمَع من فئة او جهة جغرافية من الدولة. ثمّ كيف يُعقَل أن يقوم المجلس التشريعي بسن قانون دون ان يُحيلَه الى الحكومة لتنفيذه؟ أي وكأنهم يعلنون أنهم لا يعترفون بحكومة الوفاق الوطني. حتى أنهم لم يستشيروا الحكومة في هذا القرار، والجهة التي سوف تطبقه اما وزير المالية او وكيله وبالتالي لم يبقَ لحماس إلا ان تحدد من هو الشخص الذي يجمع الضرائب!
*قرار اعتماد سنوات أقدمية لحفَظَة القرآن
قامت حماس باعتماد منح سنوات اقدمية لحفظَة كتاب الله، وعلى سبيل المثال فالشرطي الذي يحفظ كتاب الله يُمنَح سنتين اقدمية، والشرطي الذي يحفظ نصفه له سنة اقدمية والحافظ لعشرة اجزاء له 6 شهور، وهكذا. ولكن ماذا عن المسيحي؟ أليس من حقّه أن يتوظّف في وظيفة حكومية؟ إذًا فهذا القرار يحرمنا حق المساواة أمام القانون كمواطنين، ومنح سنوات الأقدمية يجب أن يكون على جهة الاختصاص. فالامام يحفظ القرآن لأنه من ضمن اختصاصه، والمحامي الذي يحفظ القانون هو ضمن اختصاصه، وغيره، ولكن اصدار هكذا قرار عن مجلس الوزارء بمثابة إعلان أننا دولة اسلامية تسعى لأن تكون باتجاه الاخوان المسلمين وهذا يؤسّس لفهم مغاير لمفهوم العمل الوطني ناهيك عن عشرات القرارات التي اصدرتها حكومة حماس في غزة والتي تسير بهذا الاتجاه، حيثُ أنهم اصدروا كمًّا هائلاً من القرارات في العدد 91 من الوقائع الفلسطينية التي تُنشَر بغير وجه حق في غزة، وفيها 815 صفحة، ولو عدنا لبداية تأسيس السلطة الفلسطينية لوجدنا ان ما صدر عن حماس من الوقائع لم يصدُر عن اي حكومة فلسطينية سابقة، وكل هذه القرارات صدرت بتاريخ 1/6/2014 اي قبل تشكيل حكومة الوفاق الوطني بيوم واحد لكن ايضًا بعد اتفاق الشاطئ في 24/4/2014 اذا ما بين اتفاق الشاطئ وتشكيل حكومة الوفاق شهران اصدرت فيهما حماس كل هذه القرارات وكأنهم نسفوا الحكومة تمهيدًا لتخريب المصالحة.
*قرار تخصيص الاراضي
من القرارات الصادرة في العدد 91، الصادر عن حماس، تخصيص الاراضي، حيث تم تخصيص 4000 دونم ارض للمقاومة الفلسطينية لكتائب عز الدين القسام، وهذه المساحة نسبة لمساحة غزة البالغة 365 كيلو متراً مربعاً، تعادل 62000 دونم في الضفة الغربية، أو بمعنى آخر 10 مرات مساحة مدينة رام الله، وتقريبًا ضعف مساحة مطار غزة البالغة 2350 دونماً، وبلا شك فالهدف من ذلك الاستيلاء على الاراضي لغايات تخص حماس فقط.
ما هي أبرز القوانين التي صدرت عن حكومة حماس؟
لقد قامت كتلة حماس التشريعية بإصدار قوانين خاصة بها في غزة بعيدًا عن الكل الفلسطيني، إذ كانت كتلتها هي التي تقر وتسن القوانين ضمن اجتماعات لم يتم توجيه دعوات لممثلي الكتل الأخرى في غزة كفتح والجبهة الشعبية والمستقلين لحضورها، والأصل أن يتم توجيه الدعوات من قِبَل الرئيس لافتتاح الجلسة الاولى وتبدأ الجلسات استكمالاً لذلك، وهذا الكلام لم يحدث منذ العام 2007، بل انهم اصدروا 47 قانونًا كلها لغايات سياسية تخدم حماس. ومن أبرز النماذج على ذلك:
*تعديل قانون الانتخابات الفلسطيني
في العام 2008 عدّلت حماس قانون الانتخابات الفلسطيني الصادر عام 2005 قبل ان تدخل بشهر آب الحياة السياسية بسن قانون مكتمل الاركان سنّه المجلس التشريعي السابق وسنّته الحكومة ويأتي فيه: (تجري الانتخابات الرئاسية في حال شغور المنصب وفاةً او استقالةً او فقدانًا للأهيلة) وعندما يفقد الرئيس المنصب ويصبح منصب رئيس السلطة شاغرًا يتولى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية مؤقتًا لمدة 60 يومًا على ان تجري الانتخابات خلال 60 يومًا، ولكن حماس في هذا الوقت قامت بتعديل القانون وألغت كلمة 60 يومًا، ليصبح النص (في حال شغور منصب رئيس السلطة يتولّى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية). أما الفترة فلا احد يعلمها أهي 90 أو 900 أو 9 ملايين يومًا! وبالطبع فذلك جزء من محاولة حماس الاحتفاظ بالسلطة إذ لا تريد اجراء انتخابات لا تشريعية ولا رئاسية لمنع تداول السلطة.
*قانون تحريم التنازل عن القدس
أصدرت حماس في العام 2008 قانونًا اسمه قانون تحريم التنازل عن القدس، وفي مادَتَيه الأولى والثانية تعدُّ حماس المتنازل عن القدس مرتكبًا لجريمة الخيانة العظمى. واذا رجعنا للتاريخ عندما جرت الانتخابات التشريعية لعام 2006، فإسرائيل كادت ان تحولَ دون مشاركة المقدسيين في الانتخابات وتعطّل اجراءها. وكان المفترض ان تتم في كانون الأول أو حتى في تشرين الثاني، وقد أبلغت حماس الرئاسة الفلسطينية حينها وبشكل واضح انه اذا تعثّرت مشاركة القدس في الانتخابات لا مانع لدينا ان نجري الانتخابات بدون القدس، ولكن الرئيس محمود عباس أكّد أن الانتخابات يجب أن تجري في القدس اولاً ثم في الضفة الغربية وغزة، وقال إنه اذا لم يتم قبول مشاركة المقدسيين في الانتخابات فلن اجري انتخابات، وبالتالي فهم تنازلوا عن القدس قبل ان يدخلوا الحياة السياسية الرسمية الفلسطينية.
*قانون أُسَر الشهداء
سنّت حماس قانونًا اسمه قانون أسر الشهداء يتحدث عن تعريف الشهيد وهو (كل من سقط داخل اراضٍ فلسطينية) أي أن من مات في اليرموك او في صبرا وشاتيلا أو أي مكان خارج الاراضي الفلسطينية هو ليس شهيدًا في نظر حماس، ولكن الادعاء والحديث عن الأسرى والمقاومة والشهداء شيء، ونص القوانين شيء آخر، إلا إذا كانوا جهلَة بالقانون والدستور، وهذه عندها مصيبة أكبر.
ومن هنا نلحظ أن خلاصة ما جرى بين عامي 2007 و2014 يؤكّد أن حماس سعت لتثبيت الانقسام، فالحريص على المشروع الوطني الفلسطيني يجب ان يمارس حرصه قولاً وفعلاً، ولكن ما كُتِب في حوالي 6000 وثيقة منشورة في الوقائع الفلسطينية الصادرة عن حماس يعزز الارادة والمادة القانونية والدستورية للانقسام والانفصال ولا يعزز الوحدة الوطنية، وهناك فرق بين تصريحٍ لمحمود الزهار وقرارٍ لاسماعيل هنية، فالتصريح الاعلامي يبقى تصريحا اعلاميًا، أمّا القرار الصادر عن الحكومة بشكل واضح غير قابل للبس يصبح نافذًا.
كيف تتعاطى السلطة الفلسطينية مع هذه القوانين والقرارات؟
نحن في السلطة الوطنية الفلسطينية نتعامل مع الاوامر العسكرية التي اصدرتها اسرائيل إبان الاحتلال عام 1967 إلى عام 1994، وتعدُّ جزءًا من القوانين النافذة وهي موجودة بالسلطة وهي اوامر عسكرية مفروضة بحكم القوة. أمّا القرارات والقوانين التي اصدرتها حماس في غزة فهي اصدرتها بحكم الامر الواقع وهي ليست دستورية شرعية، ولكنها تركت الاثر المادي على الارض. فعلى سبيل المثال، القاضي المعيّن في غزة من قبل اسماعيل هنية تعيينه باطل لأنه في الأصل لم يُعيّن بموجب من المجلس الاعلى والرئيس لم يصدر مرسومًا رئاسيًا بتعيينه، لكن عندما يصدر هذا القاضي حكمًا بتطليق امرأة، ثم تتزوج هي رجلاً آخر، نجد انه امر واقع لا يمكن التراجع عنه، وبالتالي فالتطبيق على ارض الواقع شيء والاطار النظري والدستوري شيء آخر، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية عندما تعيد الـلُّحمة الى الوطن في الضفة وغزة ان تعمل على معالجة ما يمكن معالجته من الآثار التي ترتبت على هذه القوانين والقرارات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها