إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول القدس بأنها عاصمة لإسرائيل هو خطأ فادح وسقطة غير مسبوقة، لأنه بذلك الإعلان يوم السادس من كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، حول إدارته التي يرأسها بشكل مفاجئ ودراماتيكي من وسيط بذل جهودا كبرى للاستئثار بدور الوسيط إلى عدو، وكانت هذه سقطته الأولى في مجال السياسة الدولية، وقد فوجئ برفض فلسطيني عارم تمثل في الفعاليات الميدانية لمواجهة مستمرة إعلاناً للرفض الفلسطيني، كما واجه في مجلس الأمن والجمعية العامة رفضا دوليا واسع النطاق، ومنذ تلك اللحظة وجدنا هذا التحالف الشرير بينه وبين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي رأيناه يمارس الخطايا الواحدة وراء الأخرى، آخرها قرار الضرائب ضد كنيسة القيامة التي قررت المراجع الدينية في القدس إغلاقها في محاولاته البائسة للبقاء في موقع رئيس الوزراء الذي تلاحقه ملفاته المليئة بالفساد والتي قد لا تكتفي بدفعه إلى قارعة التبطل خارج موقعه، بل ويمكن أن تدفعه إلى السجن، كما حدث مع سابقه ايهود اولمرت، ومع آخرين في إسرائيل.
يوم الثلاثاء الماضي، أي في العشرين من هذا الشهر، فوجي الشريكان المطاردان بمشاكلهما ترامب ونتنياهو بالصدى العميق لخطة السلام العميقة والمتكاملة التي عرضها الرئيس أبو مازن في جلسة لمجلس الأمن عقدت خصيصا حول الأوضاع في الشرق الأوسط خاصة حول القضية الفلسطينية، وبما أن ترامب مأزوم بعدة قضايا مثل حليفه نتنياهو، ويريد أن يحدث ضجيجا مهما كان فاشلا أو تافها حتى يغطي هذا الضجيج على صوت ملفاتهم، فقد ذهب ترامب على رأس إدارته إلى السقطة الثانية وحول القدس ذاتها، بنقل السفارة الأميركية إليها في الرابع عشر من ايار/مايو المقبل الذي يصادف ذكرى النكبة الفلسطينية قبل سبعين عاما، وكانت هذه هي السقطة الثانية لترامب في بداية العام الثاني من ولايته، الأولى حولت أميركا من وسيط إلى عدو، والثانية حولت أميركا إلى عدو مستفز، لكن السقطتين الأولى والثانية هما في السياق نفسه، ترامب ونتنياهو يتبادلان الهدايا السامة على حساب قدسنا وشعبنا وحقوقنا، ويظنان أن هذه الهدايا السامة هي الفرصة الوحيدة لإنقاذهما من المصير الأسود، نتنياهو يريد أن يهرب من ملفاته التي تلتف حول رقبته، فيذهب إلى جبهة العنف في الشمال فيجد أن قواعد الاشتباك قد تغيرت، بل أن إيران أبلغت الوكالة الدولية للطاقة النووية أنها ستبني مفاعلات بحرية، وسوريا في إسقاط طائرة الـ" اف 16" حذرت أن ردودها القادمة ستكون اعنف، فذهب نتنياهو إلى استدراج العنف في غزة، وترامب بالإضافة إلى ملفاته القديمة حول الطريقة التي جاء بها إلى البيت الأبيض، وملفه المالي وارتباكات إدارته، وحلفه مع اللوبيات اليهودية ومجموعات المسيحية المتصهينة التي جعلت من سفيره في تل أبيب يتصرف كأنه سفير إسرائيل عند ترامب، فهل الملف الأخطر وهو قراره بتسليح المدرسين في عشرات آلاف من المدارس في أميركا، إذا أي استفزاز عدواني وغير أخلاقي مطلوب حتى يغطي على بشاعة الملفات الأخرى.
قضيتنا تتقدم في مركز الاهتمام، ومواجهاتنا مستمرة تعدت الجمعة الثانية عشرة، ولا بد من بلورة أكثر للموقف العربي الذي تحاول أميركا جرة إلى أولويات أخرى، فليس هناك اخطر من إسرائيل الخنجر الذي في القلب لا بد للخلاص النهائي من هذا الانقسام الأسود الذي قال عنه مالادينوف في مجلس الأمن انه يلحق الأذى بالشعب الفلسطيني، فهل حماس تسمع أم إنها تضع أصابعها في أذنيها وتواصل الرهان الخاسر؟!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها