بقلم: حسن بكير

في بدايات إنطلاقتها رفعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فـتـح"، شعار "لا للإحتواء... لا للتبعية... لا للوصاية"، وترجمت قيادة الحركة هذا الشعار فعلاً، لا قولاً، وقد تعرضت فتح خلال سنين إنطلاقتها؛ وعملها العسكري؛ وخلال خوضها أشرس معركة سياسية؛ قامت بها الدبلوماسية الفلسطينية في التاريخ مع إسرائيل؛ الى ابتزازات جمّة من العدو الأكبر للشعب الفلسطيني أمريكا وربيبتها إسرائيل، وها هي اليوم تتعرض القيادة الفلسطينية والرئيس أبو مازن لهجمة أشد شراسة، ولكن هذه المرة تأتي من بعض الزعامات والملوك العرب، الهدف منها إبتزاز الرئيس أبو مازن للموافقة على مشروع يفضي الى إنهاء القضية الفلسطينية، والتنازل عن مدينة القدس كعاصمة لفلسطين. وجاء رد الشعب الفلسطيني على لسان رئيسه بالرفض، ففتح عصية على إحتوائها، ولن تكون يوماً تابعاً لأي سلطة أو نظام، ولم يُخلق من يكون وصياً عليها، وكان الرد الأمريكي قطع المساعدات عن الدولة الفلسطينية، كما أعطى ترامب تعليماته لبعض دول الخليج تخفيض المساعدات أيضاً، هذه هي فتح صوت الشعب الفلسطيني وصوت الشعب لا يموت.

في ذكرى إنطلاقتها الثالثة والخمسين؛ وتضامناً مع القدس ضد قرار ترامب القاضي بسلخها عن هويتها العربية المسيحية الإسلامية، إنطلقت في مخيم شاتيلا مسيرة من ساحة قاعة الشعب وجابت شوارع ومحيط المخيم، إنتهت بإضاءة شعلة الإنطلاقة وإلقاء كلمات، وذلك مساء السبت 2017/12/30 شارك فيها ممثلو الأحزاب والقوى الوطنية والسياسية اللبنانية، وممثلو الفصائل والقوى الإسلامية الفلسطينية، عدد من أعضاء اقليم حركة "فتح"، وقيادة حركة "فتح" في بيروت، وأمناء سر وأعضاء الشعب التنظيمية، والمكاتب الحركية الفتحاوية، ومسؤول مجلس الشباب والرياضة في لبنان، وممثلو اللجان الشعبية وقوى الأمن الوطني الفلسطيني، وممثلو المؤسسات الأهلية اللبنانية والفلسطينية، وممثلو اللجان والروابط والهيئات البيروتية، والحملة الأهلية لنصرة فلسطين وقضايا الأمة، ورئيس التيار الشعبي، والكشافة والأشبال والزهرات الفتحاوية، وفعاليات وأهالي المخيم، وجمهور حركة "فتح".

بدأت الفعالية بالنشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني ونشيد حركة "فتح"، ثمَ قراءة سورة الفاتحة لأرواح الشهداء.

بدايةً كانت كلمة لحزب الإتحاد، ألقاها عضو اللجنة المركزية وأمين سر الحزب في بيروت جميل جراب، وجّه فيها التحية للمناضلين الفلسطينيين الثابتين على الحق والرافضين للظلم؛ المقاومين للعدوان والإحتلال، كما وجّه التحية لحركة "فتح" في ذكرى تأسيسها، وإلى شهداء فلسطين في كل زمان ومكان، وإلى المعتقلين في سجون الإحتلال الإسرائيلي، كما حيّا عهد التميمي التي صانت العهد وسارت على درب الحرية والكرامة.

وتابع: "لقد تعلمنا على يد قائدنا جمال عبد الناصر أننا حينما نجابه اسرائيل فنحن لا نجابهها لوحده؛ بل نواجه معها أمريكا، وقد جاء تسلسل الأحداث ليثبت صدق مقولته أزاء ما يصيب الوطن العربي من مُحَن ووهن، فلا نستغرب أن يقدم ترامب على فعلته بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ونحن بدورنا نقول له حتى قبل أن تنقل سفارتك إلى القدس، نحن لا نعترف بوجود سفارتك أصلاً، فهي كانت غير شرعية وفي مكان مغتصب ومحتل ونقلها أيضاً إلى مكان مغتصب ومحتل، ولن تستطيع أن تغير قناعاتنا من المطالبة بتحرير فلسطين، ففلسطين كانت وستبقى عربية من بحرها إلى نهرها وسيبقى صراعنا مع العدو صراع وجود وليس صراع حدود، وقد تجلى هذا بالقرار الأممي الأخير ورفض قرار ترامب".

وأردف: "إنها ليست المحنة الأولى التي تمر بفلسطين الحبيبة، فلقد بقيت تحت احتلال الفرنجة لعشرات السنين ثمَّ تحررت على يد البطل صلاح الدين بعد أن وحّد قوة العرب وتحديداً قوة مصر وسوريا ونحن على ثقة أن يوم تحرير فلسطين سيأتي عندما تتوحد جهود مصر وسوريا من جديد".

واستطرد جراب قائلاً: "إننا على ثقة بأن الوطن الذي ينجب أمثال عهد التميمي ستكون رايته النص، وسيشرق عليه فجر الحرية مهما طال ليل الظلم والاحتلال، وفي هذه المناسبة العزيزة ذكرى تأسيس حركة "فتح" نرى أنه لا بد من اطلاق عدة نداءات:

أولاً: ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية لأنها السبيل الوحيد والأوحد لمواجهة غطرسة العدو.

ثانياً: إفهام العالم أجمع أن خيارات الشعب الفلسطيني مفتوحة وليس لها حدود في مجال المقاومة بكافة أشكالها.

ثالثاً: إطلاق حملة عالمية من أجل مقاطعة المنتجات الصهيونية والأميركية.

رابعاً: التمسك بحدود فلسطين التاريخية وبالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة.

خامساً: القيام بحملة تبرعات لدعم إخواننا في الداخل وخاصة المقدسيين.

ولفت جراب أنَّ هذه المناسبة وهذا اليوم؛ وكل يوم هو يوم فلسطين ويوم للمقاومة في مواجهة عملية التهويد والإستيطان ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وطرد السكان، وهذه المقاومة لم ولن تتوقف أبداً ما دام هناك احتلال، وإن خيار البندقية يبقى هو الخيار الوحيد لتحرير فلسطين، ونحن على أعتاب مئوية القائد الخالد جمال عبد الناصر نعيد ونردد ما قاله ونتمسك به "إن المقاومة الفلسطينية وجدت لتبقى وتنتصر وسوف تبقى وتنتصر"، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.

وألقى كلمة حركة "فتح" عضو قيادتها في بيروت ومسؤولها الإعلامي حسن بكير، إذ قال: "هي القدس، مسرى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومهد سيدنا المسيح (عليه السلام)، هي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، هي أرض الرسل والأنبياء، تحتضن في جنباتها أهم دور العبادة الإسلامية والمسيحية، والعديد من قبور الأنبياء، هي عاصمة فلسطين الأبدية، وعاصمة الأديان السماوية، هي مع توأمها لبنان أخر قلاع المقاومة، في وقت عزّت فيه المقاومة في ظل الخنوع والتخاذل العربي المريب، إلاّ من رحم ربي".

وأضاف: "إذا كان بلفور منذ مئة عام، أعطى ما لا يملك إلى من لا يستحق، فإن ترامب أعطى عاصمة إلى مَن لا يستحق، ومن غرائب الأمور أن أمريكا عمرها لا يتجاوز 240 عاماً، تقدم عاصمة تاريخية عمرها 6000 سنة بقرار، لكيان غاصب محتل عمره 69 سنة".

وتابع: "تأتي الذكرى الثالثة والخمسون لإنطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني" فتح"، وقدسنا الشريف تتعرض للتهويد، في ظل تخاذل عربي مذل، وتسابقٍ عربي ملحوظ للتطبيع مع ما يسمى بدولة إسرائيل، إن إعلان ترامب القدس عاصمة إسرائيل لا يعطيها الشرعية، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس لن يغير من واقع المدينة وهويتها العربية، ولن يعطي أي شرعية لإسرائيل في هذا الشأن، ولن تصبح ملكاً لهم؛ كونها مدينة فلسطينية عربية مسيحية إسلامية، وعاصمة أبدية لدولة فلسطين".

وتوجّه بكير إلى ترامب قائلاً: "لتعلم ترامب أن الشعب الفلسطيني لا يَفنى ولا يموت، وأن إرادته لا تهزم أبداً، مهما تكالبتَ عليه أنت وقوى الطغيان، وكلما زاد الضغط على شعبنا زاد إيماناً وتعلقاً بوطنه وأرضه، إن قرارك سيجعل العالم الإسلامي يؤمن بأن الدفاع عن القدس فرض على كل مسلم".

واستطرد قائلاً: "لقد أثبت قرار ترامب بالدليل القاطع، إعلان القدس عاصمة لما يسمى بدولة إسرائيل، إنحياز الموقف الأمريكي لهذه الدولة العنصرية، كما شكّل تقويضاً متعمداً لعملية السلام، وبالتالي فقدت معه الولايات المتحدة الأمريكية رعايتَها ونزاهتَها في عملية السلام في الشرق الأوسط، لقد جاء التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار ترامب لصالح فلسطين ووقوف الحق ضد الباطل، مما أدّى إلى عزل الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل عن العالم، فجاءت نتيجة التصويت 128 دولة ضد قرار ترامب، تسعة مع القرار، وتمنعت 35 دولة".

وعن المشككين بسياسة الرئيس أبو مازن قال بكير: نسمع بين الفينة والأخرى؛ من هنا وهناك وفي الخطابات الرنانة للبعض؛ أصواتاً مطالبةً الرئيس محمود عباس بوقف الإتصالات والتنسيق الأمني مع إسرائيل، لقد أصبح هذا الموضوع مثل قميص عثمان، يعلّقون عليه عجزهم وفشلهم ولا يقدّمون لفلسطين إلّا كلام المنابر الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، لهؤلاء وأولئك أقول أن الرئيس أبو مازن وفي إجتماع طارئ للسلطة الفلسطينية في رام الله وبتاريخ 2017/7/23 قام بإلغاء الإتصالات والتنسيق الأمني مع إسرائيل، لذا ليس هناك من داعٍ لتكرار الإسطوانة ذاتها، ولتلغى من قاموس الخطابات المشككة.

وشدّد بكير على أن قرار ترامب يدعونا جميعاً إلى العمل على إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، لافتاً أن يكون القرارُ دافعاً للجميع إلى تكثيف الجهود لإنهاء الإنقسام، ولمواجهة المشاريع المطروحة لإنهاء القضية الفلسطينية، من بينها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم حسب ما نص عليه القانون الأممي 194 الصادر بتاريخ 1948/12/11.

وتطرّق إلى عملية التعداد السكاني قائلاً: "بالعودة إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، وبالنسبة للإحصاء الذي قامت به إدارة الإحصاء المركزي والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بإشراف لحنة الحوار اللبناني الفلسطيني، والذي بدأ منذ شباط الماضي، وشمل 12 مخيماً و156 تجمعاً سكانياً فلسطينياً، بينت الأرقام أن مجموع عدد الفلسطينيين بلغ 174422 ألف شخصاً".

من هنا، نتوجه إلى إخوتنا اللبنانيين بعد أن تبدد لديهم هاجس الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين كما كانوا يتوقعون، نطالبهم بمنح الشعب الفلسطيني في لبنان الحقوق المدنية وحق العمل والتملك حيث أن هذا العدد من الفلسطينيين لن يشكّل أي فارق، ولن يغير من ديمغرافية لبنان، على العكس فإن منح الفلسطيني حق العمل، سيحرك الدورة الإقتصادية في لبنان، كما جاء على لسان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن تحويلات الفلسطينيين تبلغ مليارات الدولارات سنوياً.

وثمّن بكير موقف لبنان رئيساً وحكومة ومجلساً وأحزاباً ومؤسساتاً وجمعياتاً وشعباً، للموقف المشرف الذي وقفوها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته، من قرار ترامب الذي يعتبر فيه القدس عاصمة إسرائيل.

وختم بكير بتوجيه التبريكات إلى الشعب الفلسطيني عموماً، وإلى أبناء حركة "فتح" خصوصاً، كما وجّه التحية إلى الشعب الفلسطيني المرابط في فلسطين، وفي بيت المقدس وأكناف بيت المقدس والفلسطينيين في الشتات، وإلى لبنان ومقاومته الباسلة التي دحرت العدو الإسرائيلي عن جنوبه.

كما حيا الأسرى في السجون الإسرائيلية، والبطلة عهد التميمي التي صفعت الجندي الإسرائيلي.

ولتبقى جذورة النضال مستمرة، وشعلة مناضلي أحرار العالم وهّاجة، وعلى صوت الأهازيج والأغاني الثورية؛ وصوت المفرقعات؛ وزغردت النسوة، أُضيئت الشعلة يداً بيد، وجنباً إلى جنب مع الأخوة اللبنانيين.