اضطرار الولايات المتحدة إلى استخدام الفيتو ضد أربعة عشر عضواً في مجلس الأمن، دلالة أكيدة على أن الولايات المتحدة لا تستحق أن تواصل رعايتها للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأنها قبل النهاية السنة الأولى من ولاية دونالد ترامب أثبتت أنها فقدت سياسة التوازن في العالم، وفقدت سياسة التوازن في مكوناتها هي نفسها، صحيح أن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس الذي اتخذه الكونغرس هو قرار قديم ولكن الإدارة الأميركية المتعاقبة لم تنفذه ووقوع ترامب في هذه الحفرة يشير بوضوح إلى أنه يعاني كثيراً من الصعوبات سواء على صعيد كفاءته، أو على صعيد الطريقة التي وصل بها إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، ولذلك لجأ إلى التحالف مع فاشل آخر هو نتنياهو الذي تحاصره ملفات الفضيحة، فقام ترامب بهذه القفزة الشاذة والخطيرة في قضية أعقد من كفاءاته السياسية والعقلية ألف مرة، ولذلك شاهدناه يؤدي هذا المشهد الساخر والمبكي في آن واحد، عندما وقف وراءه نائبه، ليعلن أن القدس عاصمة لإسرائيل، وأنه اتخذ قراراً بنقل السفارة الأميركية إليها، وعرض توقيعه على القرار أمام الكاميرات كعادته، كما لو أن توقيعه من عجائب الدنيا السبع.
ترامب وحليفه نتنياهو تلقيا صفعتين متلاحقتين في أسبوع واحد، الأولى في مجلس الأمن حين صوت أربعة عشر عضواً في مجلس الأمن ضد قرار ترامب، أمام الصفعة الثانية فكانت في الجمعية العامة، حين صوتت مائة وتسعة وعشرون دولة ضد قرار ترامب، حيث لا يوجد فيتو في الجمعية العامة، فإن المندوبة الأميركية "هيلي" بدت وكأنها كائن غريب من كوكب آخر وهي تهدد الأعضاء المصوتين ضد قرار ترامب بأنها ستقطع المساعدات والقروض عنهم، وكانت بشكلها المعروف أشبه بمساعدة شايلوك وليس شايلوك نفسه.
نحن وأصدقاؤنا في مجلس الأمن والجمعية العامة، نستعد لجعل مضمون هذين الصوتين في أعلى مؤسستين دوليتين يعبران بنا إلى مسافات جديدة، ومن المؤكد أن الوضع الفلسطيني الداخلي وسلامته وانتقاله إلى ذروة أخرى سيكون له أثر بالغ في جعل مكاسب القضية الفلسطينية في مجلس الأمن الذي اضطر أميركا إلى استخدام الفيتو بنزق بائس، وفي الجمعية العام الذي جعل "هيلي" المندوبة الأميركية تستمع إلى كلام جارح جداً بخصوص أميركا ترامب، حيث لا فيتو.. وبالتالي فإن "هيلي" ظهرت في تلك الجلسة كما لو أنها تنتمي إلى طائفة المنبوذين!!!
مطلوب فلسطينياً بالدرجة الأولى أن ننهي سقطة الانقسام الفلسطيني التي هي صناعة إسرائيلية، علينا أن نردم هذه الحفرة الشاذة في حياتنا، فالشعب الوحيد الذي لا يحق له لسبب فصول قضيته أن ينقسم هو شعبنا وإطاراته السياسية، ومعروف أن الانقسام منذ وقع لا يؤيده أحد سوى الخارجين عن أنساب هذا الشعب وضروراته ومقدساته، الانقسام شذوذ يفوق كل شذوذ، والعودة إلى الوحدة والتلاحم هي الأمل المرتجى، ولا يوجد أحد من الأعداء والأصدقاء قدم أو في إمكانه أن يقدم أكثر مما تقدمه المصالحة حين تكتمل وتأخذ كامل مجالها الحيوي في حياتنا، الأمل الكبير في أن تتمكن الجولة الحالية من محادثات "فتح" و"حماس" في القاهرة، وبرعاية الشقيقة الكبرى مصر، وتدخل الرئيس السيسي شخصياً إلى أن نصل إلى المصالحة التي هي هديتنا الكبرى لشعبنا وللعالم الذي انتصر لنا في مجلس الأمن والجمعية العامة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها