بعد عودتها من غزّة إلى رام الله، أعربت القيادة الفلسطينية عن ارتياحها لما تمَّ إنجازه هناك، وأظهرت التقارير امتنانَ الحكومة لأهل غزّة وقياداتها، ورغبتهم الصادقة في تجاوز الأزمات نحو حل جذري وناجح. الانطباع الأهم هو الذي نقلته القيادات إلى الرئيس حول قائد "حماس" في غزّة يحيى السنوار، وكانت إيجابية جدًا، وأنَّه سيدعم ويساند قرار رئيس الحركة إسماعيل هنية في إتمام المصالحة، بكلِّ صدقٍ وبكلِّ ثقة.

التقارير التي تلقّاها الرئيس عقب الزيارة كانت إيجابية، وتؤكّد مدى الجدّية عند جميع الأطراف. أمّا الملفات العالقة والملاحظات التي وردت هنا أو هناك فلم يتم إهمالها، وهي على جدول البحث، وسيجري تناولها يوم الثلاثاء في مصر  بعد مصادقة اللجنة المركزية على نجاح الزيارة وإعطائها الضوء الأخضر للوفد الفتحاوي بالتوجُّه للقاهرة يوم الثلاثاء القادم لاستكمال الملفات، وتجهيز استلام المعابر والحدود.

القلق العام عند القيادة، نابعٌ من فشل التجارب السابقة، وقد أعطى الرئيس أوامره للجميع بمواصلة العمل لإنجاز المهمة، ولكنّه حذَّرهم من الاستعجال والوقوع في شرك التجارب السابقة، حتى لا تُخذَل جماهير غزة، وتتحوَّل المصالحة مرة أخرى إلى مجرد احتفالات تلفزيونية وتموت في رمال الواقع.

ومن أجل ضمان نجاح أكبر، جرى التنسيق مع الملك الأردني في كل الخطوات، وحتى لا يفهم البعض أنَّ ما جرى هو إعادة تصنيف إقليمي، أكَّدت القيادة الفلسطينية أمام جميع الأطراف أنَّه وفي كل خطة تتم يجري التنسيق الكامل مع الأردن ومصر، وأنَّ الدولتين صاحبتا خصوصية جيوسياسية وديموغرافية بالغة الحساسية، وأنَّ أية خطوة تتم يجب أن تحظى بالتنسيق والمباركة والدعم من عمّان والقاهرة قبل كل شيء.

ولا يعتبر الكلام المذكور سابقًا أنَّه تقليل من دول الإقليم التي رغبت في السنوات الماضية في حمل ملف المصالحة، سواء قطر أو الإمارات أو تركيا أو إيران أو غيرها، وإنَّما، ولتوضيح الأمر أكثر، فإَّن الأردن ومصر شريكتان، ولن يتم تجاوزهما في كل شاردة وواردة.

كلمة السحر في هذه المصالحة ستكون الوقت، وضرورة إعطاء البعد الزمني لكل الأمور بما يتلاءم مع حجم المشكلات التي تراكمت طوال عشر سنوات، حتى تتناغم مع إمكانيات الحلول التي تملكها الحكومة، لا سيما أنَّ الهدف الكبير هو شراكة سياسية حقيقية ونظام سياسي واحد، وليس مجرد حكومة واحدة كما حصل المرة الماضية.

كما أنَّ دعم وضمانة مصر في التنفيذ رفع فرص النجاح، وحضور رئيس المخابرات المصري خالد فوزي شخصيا، وقراءة رسالة الرئيس السيسي لهما مدلولان سياسيان كبيران على صعيد شامل. وربما من حق القاهرة الآن أن تحتفل بقوة على هذا الإنجاز، لأنَّها نجحت في تثبيت رؤيتها وتعاملها مع حركة "حماس" باعتبارها رؤية منفصلة تمامًا عن تعاملها مع جماعة الإخوان المسلمين. والأمر له هزات ارتدادية وصلت إلى قطر وتركيا، ولا يمكن الاستغراب من احتفال تحالف الإمارات مصر بهذا الإنجاز.

وأخيرًا، ما قالته "إسرائيل" حول المصالحة، هو بالأساس خطابٌ يُعبِّر عن مخاوف المستوطنين وجبهتهم الداخلية من المصالحة الفلسطينية، والقادة الفلسطينيون ليسوا مُضطّرين للرد على هذه التصريحات، وعلى الجميع المواصلة وإنجاح الشراكة السياسية من دون أي اعتبار لتصريحات وزراء متطرفين في "إسرائيل"، ضاقت صدورهم حين رأوا غزة تضحك وتفرح.