الطامة الأكبر عندما يختلط الحكم السياسي بالفكراني (=الايدولوجي) أو الديني و المصلحي حيث ان من يخالف أيها يصبح حكما ضد الدولة وضد القائد الملهم وضد الإمام أو الخليفة المعظم، ويصبح الناس أسرى مفاهيم مرتبطة فقط بما يقوله الإمام فلا يستطيع أحد أن يعبر عن رأيه في أي مسألة دينية (أو سياسية أو مجتمعية...) فهي محتكرة فقط لقوى الإرهاب الفكري- الديني التي زركشت رداء الدنيوي السياسي المتغير والنسبي بالعقدي الديني المطلق فتكفر وتزندق وتحكم بالردة أو النفاق على كل مخالف مهما كان حجم تدينه وإيمانه، فالمسألة هنا هي الحفاظ على مصباح الهدى الوحيد ممثلاً بالحكم المقدس سواء من الناحية الإسلاموية أوالمسيحانية أو الأيدولوجية أو القومية أو المصلحية

يقول مولانا الكواكبي: (إنه ما من مستبدٍّ سياسيّ إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قدسيّة يشارك بها الله، أو تعطيه مقامَ ذي علاقة مع الله. ولا أقلَّ من أنْ يتخذ بطانة من خَدَمَةِ الدِّين يعينونه على ظلم الناس باسم الله، وأقلُّ ما يعينون به الاستبداد، تفريق الأمم إلى مذاهب وشيع متعادية تقاوم بعضها بعضاً، فتتهاتر قوَّة الأمّة ويذهب ريحها، فيخلو الجوّ للاستبداد ليبيض ويُفرِّخ، وهذه سياسة الإنكليز في المستعمرات، لا يُؤيِّدها شيء مثل انقسام الأهالي على أنفسهم، وإفنائهم بأسهم بينهم بسبب اختلافهم في الأديان والمذاهب)

الموضوع الذي يتعرض للاستبداد موضوع مازال يهيمن على كثير من المجتمعات خاصة مع انحسار موجة ارهاب "داعش" نسبيا، وعودة تعملق استبداد وارهاب الدول مثل الارهاب الصهيوني الذي لا يقارن، واستبداد وارهاب الانظمة كما الحال مع النظام السوري والنظام العسكري في ميانمار وغيرهما، لذا فاننا نقوم بنشر مقالنا على شكل (لقيمات) او حلقات صغيرة كي يصبح قابلا للاستيعاب من فئة أكبر وبشكل سلس وبعد التوكل على الله نبدأ ونكمل الحلقة الخامسة الاخيرة.

النظام البارد، وأنا الإسلام!

في الوقت الذي يقتل الناس بالآلاف في سوريا تظهر شخصيات باردة تتغنى بالنظام البعثي القومي الذي يعمل من أجل فلسطين ؟! وفي الوقت الذي تسير فيه مصر نحو الديمقراطية الجديدة بحذر يتصدر أحد الاسلامويين ليقول ( أنا الإسلام والإسلام أنا)، ويزاود عليه زميل له في تونس حينما صنف التوانسة بين مسلم وكافر في ظل خلايا ظلامية تريد أسر عقول الناس لمنطقهم الحصري الاقصائي، وما تجدله مثيلاً عند العلمانيين المتشددين والاسلامويين في المغرب.

ان القمع ينتج شخصيات مشوهة من جهة، ولكنه من جهة أخرى يراكم الحقد والكراهية والثأر والثورة، وقلما تجد من رحمة ربك من يسامح وينطلق للبناء، لذا فان مقاومة الاستبداد أو الطغيان في الحارة والمجتمع والتنظيم والحزب والحكومة والإدارة واجب تحكمه القوانين والدساتير .

عبء على الجميع أن يتخلصوا من سلبيتهم، ويقطعوا مع عهود الظلمات ويرفضون تسويرهم عقليا ونفسيا بآراء واجتهادات قطعية لأولئك المستبدين مهما حاول البعض تسويغ مقولة المستبد العادل حيث لا عدالة مع الاستبداد .

ولا استبداد يعيش إلا بطأطأة الرؤوس وثقل عصا السلطان وبطشه حينما يخلع الناس بيعتهم مع الله، اذ لا يعبدون غيره مهما كان زي السلطان مزركشاً وموشحا بالآيات القرأنية أو الأحاديث.

يقول الشيح عبدالرحمان الكواكبي: (إنَّ الوسيلة الوحيدة الفعّالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمَّة في الإدراك والإحساس، وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم والتحميس. ثمَّ إنَّ اقتناع الفكر العام وإذعانه إلى غير مألوفه، لا يتأتى إلا في زمنٍ طويل)