تميزت الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بحضور قوي لمواقف جديدة تتعلق بالقضية الفلسطينية التي وصفها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالجرح القديم وكذلك الخلاف بين الاتحاد الأوروبي مع أميركا حول الاتفاق النووي الإيراني، والتهديد غير المعتاد الذي وجهه الرئيس ترامب ضد كوريا الشمالية، والبحث عن توازن جديد يعيد للعالم سلامه الذي يتعرض لتهديدات كثيرة.

وكان حضور الرئيس أبو مازن في هذه الدورة لافتاً جداً، ليس فقط على مستوى لقاءاته المكثفة مع عدد كبير من زعماء وقادة العالم، وحضور فلسطين والحق الفلسطيني في كلمات الكثير منهم ابتداء من لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكن لخطابه الشامل والمترابط والشجاع الذي واجه فيه بقوة محاولة الهروب الكبير من نتنياهو من القضية التي تلاحقه وتلاحق إسرائيل وكل إسرائيلي على حدة، سواء كان ينتمي إلى اليمين أو اليسار وسواء كان من الحريديم أو الليبراليين، وسواء كان جنرالاً في الجيش أو مجرد مستوطن في مستوطنة غير شرعي في أرض دولتنا الفلسطينية المحتلة، وهي القضية الفلسطينية، حيث قدم الرئيس خطاباً بالغ الأهمية استعرض فيه بشكل مكثف يوميات عملية السلام المغدورة منذ وقعنا عليها نحن والإسرائيليين في حديقة البيت الأبيض في عام 1993، وماذا فعل الإسرائيليون لقتل ذلك الاتفاق، وكيف قتلوه بتعمد، وكيف تدور الأسئلة حول اعترافنا بإسرائيل التي ترفض الإعتراف بنا، وأدارت ظهرها بالكامل لمبادرة السلام العربية التي شملت العالم الإسلامي، وضحت بمبادرة تنص على التطبيع السلمي لعدد 57 دولة إذا أعطت فلسطين حقهم الذي أقره العالم بإقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية.

والخلاصة التي انتهى إليها الخطاب الشجاع أن لا شيء من دون ثمن، وأن إسرائيل مسؤولة مسؤولية كاملة عن أفعالها وممارساتها العدوانية التي تضرب من خلالها عرض الحائط بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية التي حتى الآن لا تبذل الجهد المطلوب لضمان تنفيذ قراراتها.

هروب نتنياهو إلى قضايا أخرى لم يفد، والرئيس أبو مازن قالها بكل شجاعة، من لا يريد حل الدولتين فليتحمل الذهاب إلى أقصى حد على مستوى فلسطين التاريخية كلها، وهذه هي الرسالة الأكبر التي وصلت إلى الرأي العام الإسرائيلي الذي رأى أن محاولات نتنياهو الهروبية لا قيمة لها ولم تؤخذ على محمل الجد.

هذا الخطاب الشجاع من فوق منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، دخلنا معه مرحلة جديدة، عنوانها أن من يضيع الفرص المتاحة باستخفاف عليه أن يتحمل المسؤولية ويدفع الثمن، هذه معادلة عميقة تتطلب منا فلسطينياً أن نتقدم بنفس الشجاعة إلى موضوع المصالحة الذي هو الآن في مقدمة الأولويات، وأن نسد الطريق أمام كل محاولات الصغار في التراجع إلى الوراء من جديد.