بقلم: عماد الاصفر
خلال الحرب العراقية – الايرانية التي استمرت ثماني سنوات، وحصدت عشرات الآف الارواح، كان التلفزيون العراقي حاضرا في جبهات القتال لنقل رسائل الجنود الى ذويهم، وحسب اوامر مركزية مشددة –كما هي العادة في دول الحزب الوحيد والقائد الاوحد- كان كل جندي يستهل رسالته بالآية الكريم:"إن ينصركم الله فلا غالب لكم" ويبدأ بعدها: انا المقاتل فلان الفلاني من بلد كذا وكذا واهدي سلامي الى امي وابي والى فلان وعلان........
في احدى الجبهات وصل الميكرفون لجندي بائس الحال بدأ يقول إن ينصركم الله فلا...... وامسك عليه القول وضرب الله على عقله، فاعادها : إن ينصركم الله فلا...... ولم يهده الله الى التتمة، نظر الى رفاقه مستعينا بهم فلم يساعدوه، وكان المراسل التلفزيوني لئيما فقد اكتفى بان هز رأسه للجندي البائس لكي يكمل، فما كان منه إلا ان قال مسرعا: إن ينصركم الله فلا مانع لدينا، اني المقاتل فلان الفلاني واهدي سلامي لأهلي فلان وعلان.
مثل هذا الجندي البائس والذي يطلق عليه العراقيون لقب ( أثول) او (زوج) يعني ساذج او أهبل، موجود لدينا بكثرة وفي مراتب متقدمة، ومتقدمة جدا أحيانا، وبازياء ورتب عسكرية مهيبة ومدنية انيقة احيانا اخرى، هؤلاء لا يكفون عن ترديد عبارة "الوحدة الوطنية" كلازمة يبدأون بها ويختمون كلامهم الفاضي.
الباحث المخلص في اصل وتاريخ ومسيرة هذه العبارة سيخلص الى انها اصبحت فخا او خدعة او حيلة تستخدم لتشريع ما لا يُشرع ولايقبله عقل، مثل تغييب الانتخابات، والتحايل على نتائجها اذا عقدت، تشويه مبدأ المعارضة والموالاة، سلب بعض صلاحيات السلطة المركزية ومقاسمتها فيما لا يقبل القسمة، والامثلة كثيرة......
المقاومة وسلاح المقاومة وانفاق المقاومة والعلاقات مع الدول الداعمة للمقاومة هي الاخرى شعارات يجري استغلالها، هل يجوز مثلا استغلال الوحدة الوطنية لتشريع تقاسم اراضي الدولة بين حزبين ليصبح حزب معارض او حاكم اغنى من الدولة، هل يجوز استغلال الوحدة الوطنية لكي يصبح لكل فصيل جناح عسكري ومصانع صواريخ ومجلس حرب يعلن النفير متى شاء، كما فعل قادة الجهاد الاسلامي قبل ايام، هل يجوز ان يكون لكل فصيل مجلسه النيابي وانفاقه ومساجده وحواجزه وعلاقاته الخارجية التي تتجاوز حدود ما هو حزبي وتتطاول على وحدانية التمثيل الرسمي، هل يمكن تحت شعار الوحدة الوطنية والمقاومة ان يستعين أي فصيل بطرف خارجي او عصابة خارجة عن القانون لتنفيذ سياساته، وان يبرم الاتفاقيات ويعقد الصفقات ويتلقى الاموال بعيدا عن اعين السلطة.
الوحدة الوطنية ليست بديل عن سلطة مركزية واحدة تحتكر القوة وحق انفاذ القانون والتمثيل الخارجي وحق ابرام الاتفاقيات ورسم السياسة الخارجية، واذا ما اساءت هذه السلطة المركزية اداء دورها –وغالبا ما تفعل ذلك- يأتي دور المعارضة بأدواتها السليمة المتعارف عليها، كتبكير الانتخابات، وليس من بينها بالطبع لا الانقلاب ولا الطغيان وسلب الصلاحيات وتشكيل الاجسام القيادية الموازية.
اقول هذا الكلام لانني اريد اتفاقا يُنفذ ويَنفذ، لا اتفاقا هشا، ولا تبادلا لرمي الكرات بين ملعبين، بقصد احراج الطرف الآخر وكسب نقطة اعلامية ضده.
هذه هي المرة الثانية في حياتي التي اصحو فيها من النوم مبكرا لأكتب في السياسة، كانت المرة الاولى قبل دزينة من السنوات، يومها فازت حماس بالانتخابات المحلية فكتبت مديحا للنظام السياسي الفلسطيني، وترحيبا بحماس معتبرا ان فوزها سيقود الى تنافس ديمقراطي يسهم في تحسين اداء فتح والآخرين، ولم انس يومها التنبيه من ضرورة ان لا يقود هذا الفوز الى اضعاف السلطة المركزية.
بقلم: عماد الاصفر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها