ستون يومًا بلياليها المظلمة، وجدران زنازين سجّاني "حماس" وقضبان بواباتها الفولاذية تحاول نهش إرادة وجسد الصحفي فؤاد جرادة.
ستون يومًا والصحفي فؤاد جرادة يتنفَّس قسرًا هواء كراهية ينفثُهُ جلّادوه، وهو الذي كان يُشبِعُ الجمهورَ بالحقائق عمَّا يحدث في الجناح الآخر للوطن (غزة) على هواء المصداقية المهنية والالتزام الوطني مباشرةً.
اعتقل مسلحو "حماس" فؤاد جرادة مراسل تلفزيون "فلسطين"، وقطعوا أخباره عن أهله وزملائه ودائرة عمله، وزجّوا به في غياهب جُب التُّهم الجاهزة المعلَّبة، فهذا دأبهم مع الصحافة وروّادها.
لا يحتاج الانقلابيون إلى التفكير أو البحث كثيرًا عن تهمة يلصقونها بأي صحفي أو إعلامي يشهر الحقائق والمواقف بشجاعة، إذ ليس أسهل من كلمة (جاسوس) أو (متَّهم بجريمة أخلاقية)، ويكفي إطلاقها لمرة واحدة حتى يتداولها عناصرهم كالببغاوات، وتنتشر كانتشار النار في الهشيم، فأنا أحد ضحاياهم وأعني ما أقول.
يُقلقني جدًا أنَّ الصحفي العامل في مؤسسة إعلامية حكومية رسمية لا يحظى بالمساندة كالتي يحظى بها صحفيو المؤسسات والوكالات الخاصة والدولية، وكأنَّنا نحن معشر الصحفيين نتعامل مع زميل على أنَّه (ابن الست)، وآخر على أنَّه (ابن الجارية)، ومن سوء حظ زميلنا فؤاد جرادة أنَّه يقع في خانة الصحفيين المنظور إليهم- وبكل أسف- بعين الريبة والشك، فقط لأنَّهم يعملون في مؤسسات حكومية إعلامية أو حزبية، حتى يمكنني القول إنَّ بعضًا من زملائنا في المؤسسات الإعلامية الخاصة أو الدولية يمنحون أنفسهم درجة أفضلية في كل مجال، وهذا كثيرًا ما كان موضع نقاش موضوعي و(حاد) أحيانًا في ورشات عمل ولقاءات نُظِّمَت تحت لافتة الصحافة، وهذه بعض الحقيقة المرّة التي نتمنّى ألّا يتجرّع من كأسها أي زميل.
من حيث المبدأ لا يحق لحماس باعتبارها سلطة انقلاب في غزة اتّخاذ أيِّ إجراء بحقِّ أي مواطن، ولا نُريد ولا نرغب سؤالها عن سبب اختطاف مسلّحيها زميلنا فؤاد، وإنَّما باعتبارها سلطة الانقلاب والأمر الواقع، فإنَّنا نُحمِّلها المسؤولية كاملةً عن حياة زميلنا، وحجز حريته، وانتهاك حقوقه كمواطن وصحفي أولاً وأخيرًا، ولا أقول نطالبها، بل أقول عليها الكف عن إرهابها وجرائمها الممنهجة ضد وسائل الإعلام الوطنية والخاصة، التي بدأت قبل الانقلاب وارتفعت وتيرتها الجنونية بعده.
لا تتوقَّف أشكال المساندة للزملاء الصحفيين والدفاع عن حقوقهم والحرية في العمل والرأي والتعبير عند إصدار البيانات التي تعتبر أدنى درجات الواجب تجاه أعلى مرتبة في معاني الحياة ألا وهي الحرية، ما يعني وجوب العمل على حشد ضغط محلي وعربي ودولي على "حماس"، التي صنَّف الاتحاد الدولي قادتها ضمن قائمة أعداء الصحافة.
زميلنا الصحفي فؤاد جرادة لا تيأس، ولا تخضع، ولا تستكِن، فقدَرُ رُسُلِ الحق أن يكونوا أمَّا شهداء في الميادين أو في الزنازين، أو على صدورهم أوسمة صمَّمتها جراحهم النازفة، أو يعيشون أحرارًا لا يقهرهم مستكبر أبدًا، أما أنت فنريدك حرًّا في بثِّ حيٍّ من غزة إلى كل الوطن.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها