المواقف الشجاعة والصريحة التي عبّرت عنها بعض الفصائل والحركات الفلسطينية في رفضها للمشاركة في لجان المصالحة المجتمعية التي بادرت إليها حركة حماس، إنما تُعبّر حقيقة عن رؤية شاملة ووطنية وصحيحة أيضاً، فالمصالحة المجتمعية ليست مجرد جبر خواطر وليست مجرد تعويض أو صُلحة عشائرية، إن تصويرها بهذا الشكل – كما ترى حركة حماس بالذات – إنما هو قفز عن الأصول وتجاوز للرواية الكلية لمعنى المصالحة بمستوياتها، وقد سبق للمركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية، الذي أتشرف برئاسته، أن عقد مؤتمراً على يومين من أجل مناقشة هذا الموضوع، بالاستفادة من الخبرات الوطنية، وكذلك من الخبرات العربية والعالمية، وقد انتهى المؤتمر إلى توصيات، أكد فيها أن المصالحة المجتمعية هي أحد نتائج المصالحة السياسية الكبرى، حيث تصبح المصالحة المجتمعية وكأنها الدُهن أو البلسم الذي يشفي ويجبر ويعوض، باعتبار أن الدم الذي سفك كان من أجل قضية أكبر من الشخص أو العشيرة، وما جرى في قطاع غزة فيما سبق 14/06/2007 حتى هذا التاريخ، كان عبارة عن جريمة سياسية مكتملة الأركان، وأن من قام بعملية القتل والاعتداء على الممتلكات لم يكن ناتج عن ثأر شخصي فيما بين القاتل والمقتول، وبالتالي، لا يجب ولا من النزاهة السياسية أن يتحمل هؤلاء دم أبناء العائلات، وإن كان حسابهم عند ربهم كبير.
نحن وإذا كنا نرفض هذا الشكل من المصالحات، فليس لأننا نرفض المصالحة المجتمعية، بما يعزز السلم الأهلي، بقدر ما نرفض أن يكون دم أبناءها الذي سفك سُلّماً يصل إليه البعض لمآربه، أو من أجل حل أزمات فصيل بعينه، وغالبية المكلومين لديهم الاستعداد التام للصفح والتسامح في مقابل شراء وطن، وليس شراء دم أبناءنا من أجل مصالح شخصية.
إن ما يجري في غزة، إنما يجري لأهداف سياسية ضيقة تريد منها حركة حماس أن تجني من ذلك تخفيفاً للوضع المحتقن في القطاع، وأن تُشغل الناس بقضية فرعية، وأن تفتح الباب على مصراعيه للبعض لكي يعود من أوسع الأبواب لتأكيد الحضور، ما تريد حماس من ذلك حقيقة هو تعزيز الانقسام الفلسطيني، من خلال تفضيل طرف على طرف، والتعامل مع طرف على حساب طرف، وأن تؤخر المصالحة السياسية وتستبدلها بمصالحة مجتمعية، وأن تبدو وكأنها تنجز شيئاً خطيراً وهاماً، وهو ليس كذلك، برأيي أن ما تفعله حماس خطير على مستوى تفتيت القضايا واستبدال الأدنى بالذي هو خير، وتغيير الأولويات، وتفكيك المواقف والفصائل من أجل هدف حزبي قريب، لا يقدم ولا يؤخر، إذ أن الفصائل في معظمها لم تشترك في ذلك، مفضلة أن تنتظر قرار الشرعية الفلسطينية، كما أن عائلات كثيرة في غزة رفضت أن تشارك في هذا الأمر.
إذن، حماس تقوم بخدمة لها ولأهدافها ولبرامجها، وهو مخالف لرؤية الشرعية الفلسطينية، وللمطالب المجتمعية الفلسطينية، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فهي تقدم خدمة أو مجاملة لجهات أو لأطراف تصطاد أو تتحرك تحت ضباب كثيف، أو تُعقّد المشهد الفلسطيني، وهي خدمة يمكن تأخيرها لو تميزت حماس ببعد نظر، فليس من الحكمة إطلاقاً أن تسارع حماس إلى ذلك الآن، فما تريده هذه الأطراف هو أن تعترض المصالحة الكبيرة، أو تعطلها، أو تجد لنفسها مقعداً، أو تحقق أجندة ما، والكل يعرف أن قطاع غزة يتغير بسرعة، والمعادلات الاستراتيجية تتغير أيضاً.
تخطئ حماس إذ تفعل هذا: بقلم اللواء محمد المصري
09-08-2017
مشاهدة: 347
إعلام حركة فتح - إقليم لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها