تحلُّ اليوم الذكرى التاسعة والستين لنكبة فلسطين نكبة العرب والمسلمين، نكبة الإنسانية التي بات ضميرها في إجازة مفتوحة، لم يصحو بعد من هول ما تقترفه واقترفته قوى العدوان عبر التاريخ، الخامس عشر من أيار عام 1948م كان يوماً أسوداً في تاريخ الإستعمار ويوماً كارثياً حلَّ بشعب فلسطين وبالأمة العربية، حين أعلن الإستعمار البريطاني نهاية إنتدابه على فلسطين وفي نفس اليوم تعلن العصابات الصهيونية قيام دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) على الجزء الأعظم من أرض فلسطين، وتشريد ثلثي الشعب الفلسطيني من موطنهم الأصلي وتحويلهم إلى لاجئين، وإعتراف العديد من دول العالم الكبرى وذات النفوذ بدولة الكيان الصهيوني، والسكوت عن الجريمة المقترفة بحق فلسطين وشعبها، تآمراً أو تواطئاً، في سياق سياسات ظالمة إقترفها الكبار المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، دون أن يهتز لهم ضمير.

كان هذا الحدث نكبة وزلزالاً حلّ بالشعب الفلسطيني وبالمنطقة لازالت آثاره قائمة ليكتمل بعد تسعة عشر عاماً بإكمال إحتلال ما تبقى من فلسطين في حرب العام 1967م، لتكتمل دوائر الزلزال تضرب بعنف في حياة الشعب الفلسطيني ومستقبله ومستقبل المنطقة، ويستمر الضمير العالمي والإنساني مغيباً ومخدراً بالدعاية الصهيونية والتواطئ والتآمر من الدول والقوى الكبرى صاحبة المصلحة في هذه النكبة والألم والضياع المستمر للشعب الفلسطيني وحرمانه من أبسط حقوقه في العيش في وطنه بحرية وكرامة، وحرمانه من حق العودة وتقرير المصير.

هذه النكبة الزلزال لم تتوقف تردداتها على مستوى المنطقة وعلى مستوى العالم، فما تشهده المنطقة من عدم إستقرار وضعف وإستنزاف، وظواهر عنف مختلفة تمثل جميعها هزات إرتدادية للنكبة الأولى الزلزال، لن يفلح علاج هذه الهزات التي تشهدها المنطقة اليوم دون علاج نتائج الكارثة النكبة الأولى التي وقعت لشعب فلسطين في غفلة من شعوب المنطقة ظناً منهم أنها لن تطالهم آثارها إلا بالقليل.

شعب فلسطين لم يستكين إلى هذه النتائج الكارثية وإلى العدوان والمؤامرة التي وقع ضحيتها ثار وقاتل وأنتفض دون توقف كي يصحو ضمير هذا العالم المتبلد، وأسمع صوته للعالم أجمع، ولم ولن يسلم بهذه النتائج الكارثية، فلا غرابة أن تتصادف الذكرى التاسعة والستين للنكبة مع اليوم التاسع والعشرين للإضراب عن الطعام الذي يخوضه المناضلون الأسرى الفلسطينيون بقيادة مانديلا فلسطين المناضل مروان البرغوثي في سجون الكيان الصهيوني، ليمثل ضرباً على الخزان وصرخة في وجه العدوان، وفي وجه الضمير الإنساني العالمي الذي لازال تحت تأثير المؤامرة والدعاية الصهيونية غافلا عن القيام بواجبه في وضع حدٍ لمعاناة الإنسان الفلسطيني سواء داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية التي تضم اليوم أكثر من سبعة آلاف معتقل مناضل من أجل الحرية، أو جراء الإجراءات والقوانين العنصرية التي يرزح تحت نيرها أكثر من خمسة ملايين فلسطيني، تشل حياتهم ومستقبلهم، أو ما يعانيه النصف الثاني من الشعب الفلسطيني من ويلات التشرد واللجوء والعذاب والحرمان في المنافي المختلفة.

نعم إنها النكبة الزلزال لم ولن تنتهي آثارها وآلامها دون تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الأساسية في العودة إلى وطنه وممارسة حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وإعادة الأمن والسلم لإقليم فلسطين والمنطقة، كي يحيا الفلسطينيون ومعهم جميع شعوب المنطقة بأمن وسلام وإستقرار، دون ذلك سوف تستمر المعاناة والألم لفلسطين وشعبها وللمنطقة.

متى يفتح العالم عينيه على هذه المأساة، ويضع يده على الجرح، ويوقف نزفه المستمر منذ تسع وستين عاماً، ما هو المطلوب من الشعب الفلسطيني كي يصحو هذا الضمير العالمي الذي لازال تحت وقع مخدر المؤامرة والتواطئ الإستعماري وأصحاب النفوذ الذين يتقاسمون المسؤولية عن إستمرار هذا الوضع المخالف لأبسط حقوق الإنسان ولأبسط قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن ..!

مع كل عام يمرُّ على النكبة يزداد الفلسطينيون تشبثاً بحقوقهم، حتى يتمكنوا منها، لا تثنيهم الصعوبات، والمرارات بقدر ما تحفزهم للعمل الدائم والمتواصل من أجل إستعادة حقوقهم كاملة غير منقوصة، يرونه بعيداً ونراه قريباً وإنا لصادقون، تباً للضمائر المغيبة والمخدرة والعيون المغلقة التي لا تستطيع أن ترى الحقيقة وتنتفض لأجلها.