مما لا شك فيه، ان كل زيارة رسمية للقيادات السياسية وخاصة للملوك والرؤساء والأمراء لها دلالتها واهميتها السياسية والديبلوماسية والإقتصادية والأمنية والثقافية. لكن هناك زيارات ذات أهمية إستثنائية وخاصة، تختلف عن الزيارات التقليدية والروتينية بين قادة وزعماء الدول، لكونها ترتبط بحدث هام بين البلدين، أو كونها تحمل في طياتها نقلة نوعية، ولها تداعياتها وإنعكاساتها على الدولتين او الدول ذات الصلة باللقاء، او تكون الأولى بين زعيمين، ولها ما بعدها من المواقف والمخرجات.
زيارة الرئيس محمود عباس لواشنطن واللقاء مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تقع ضمن التصنيف الوارد أعلاه. لإنها الزيارة، التي تجمع بين الرئيسين للمرة الأولى منذ تولي الساكن الجديد للبيت الأبيض مهام منصبه قبل مئة يوم. ولكون الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الأولى في رعاية المسار الفلسطيني الإسرائيلي، أضف إلى ان رجل العقارات السبعيني، المسكون بالعظمة والإعتقاد انه قادر على تحقيق صفقة العصر السياسية بين طرفي الصراع الأعقد والأهم في العصر الحديث، وكونه لا يحمل رؤية جاهزة، بالإضافة لإستعداده لإشتقاق رؤى غير تقليدية لحل الصراع، وقابلتيه لإن يسمع من الآخر. وبالتالي بقدر ما يكون الرئيس ابو مازن جاهزا ومستعدا لطرح الرؤية الفلسطينية المنسجمة والمتوافقة مع مرجعيات عملية السلام، إضافة لما تعينه الكاريزما الشخصية في إستقطاب نظيره الأميركي، بقدر ما يؤثر في محددات صفقته، التي ينوي صياغتها وطرحها على بساط طاولة التفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
لذا ولإهمية الزيارة التاريخية للرئيس عباس لواشنطن، كونها تأتي في ظل إشتداد وتغول الهجمة الإستعمارية الإسرائيلية في قضم ومصادرة وتهويد اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومع غياب وفقدان الأمل في صناعة السلام وتجسيد خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ولكون الرئيس الأميركي، كما أوحى وأكد خلال الأيام المئة السابقة من حكمه، انه ليس نسخة كربونية عن اقرانه من الرؤساء الأميركيين، الذين رعوا المفاوضات بين الطرفين طيلة ال24 عاما الماضية، ولديه القابلية والإستعداد للإخذ والرد من الفريقين، بعد ان راهنت القيادة الإسرائيلية، بأنه سيكون معها مسبقا وعلى حساب المصالح الوطنية الفلسطينية، فإن المطلوب من الرئيس ابو مازن لإحداث النقلة النوعية في رؤية نظيره ترامب، إضافة لتمسكه بالثوابت الوطنية المستندة لقرارات الشرعية الدولية وحقائق التاريخ والجغرافيا، الكشف عن عورات وفقر حال المنطق الإستعماري الإسرائيلي، وأثره ليس على المصالح الحيوية الأميركية فقط، وإنما على مصالح ووجود إسرائيل نفسها، وأيضا المرونة التكتيكية العالية في الحوار بشأن نقاط الإختلاف والتباين، وعدم الحسم وإعطاء الجواب بشأنها، وتركها لحوارات قادمة. والأهم خلق وتعميق الكيميا بينه وبين الرئيس الأميركي الجديد. لاسيما وان هذا العامل سيكون له دور مهم في تقريب المسافة بين الرجلين والقيادتين الفلسطينية والأميركية.
طبعا والمرء يتحدث عن الأهمية الخاصة للزيارة الفلسطينية، يؤكد على عدم جواز تجاهل او التغافل عن طبيعة العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية ودولة التطهير العرقي الإسرائيلية، او نسيان طبيعة ومكونات الفريق المساعد للرئيس ترامب، الذي بعضه يتماهى مع المشروع الكولونيالي الإسرائيلي، بالإضافة لمكونات صناعة القرار الأميركي وأثرها على صاحب الشعر الأصفر. وبالتالي الحديث عن اهمية الإستثنائية يعود للرهانات الإسرائيلية العالية على الإدارة الأميركية في دعم مخططاتها الإستعمارية دون ضوابط، ولطبيعة وسمات الرئيس الأميركي الخاصة وغير المالوفة بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين والعالم على حد سواء، ومدى قدرة الرئيس ابو مازن في إحداث نقلة نوعية في مسار الخطاب والحل الأميركي المنتظر دون مغالاة او مبالغة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها