هذه ليست المرة الأولى في تاريخ لاجئي فلسطين والتي يتجلى بها الزمن قاتما وكأنه قد تجمد تحسبا لما قد يحمل في طياته من تغيير كبير على مجتمع اللاجئين. فعلى مدى السبعون عاما الماضية، عانى لاجئو فلسطين من أشكال متعددة من الظلم والحرمان من الحقوق والفرص، فضلا عن عدم الايفاء بالوعود الممنوحة لهم. لقد انتظروا ايجاد حل سياسي يمكنهم من إنهاء محنتهم ولكن، وحتى اللحظة، دونما جدوى.
نعيش الآن وقت يشهد تحدي للأسس التي تدخل في صلب عملية أوسلو ويبدو عبرها أن أساس حل الدولتين، والذي ما زال محل إجماع دولي، يتعرض للتغيير من جانب الحقائق على الأرض وحتى في الصياغة.
وهنالك تردد متزايد، فيما يخص الضفة، وبما يشمل القدس الشرقية، حيال استخدام كلمة الاحتلال. ومع ذلك، فهذه هي اللغة المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي تعتبر واحدة من أكثر المواثيق القانونية الدولية التي تمت المصادقة عليها على نطاق واسع.
الاحتلال ليس فكرة مجردة وذي آثار مجهولة، ولكنه يتمثل كذلك بعمليات عسكرية، والتي تحصل في المتوسط مرتين في اليوم في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة، والمترافقة مع عمليات بحث واعتقال، وهدم للمنازل، والاستخدام المتكرر للغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية. ان الاحتلال يخلق بيئة مجردة للإنسانية، حيث تصبح أبسط الأشياء، مثل ذهاب الأطفال إلى المدرسة، عملا محفوفا بالمخاطر في بعض المناطق ويرافقها اجراءات مهينة للغاية.
في قطاع غزة، وخلال العام الماضي، تعرض عدد كبير من صغار الشباب للإصابات في ما أصبح يعرف باسم مسيرات العودة الكبرى. حقيقة أن عدد الذين أصيبوا بجروح -- أكثر من 27,000 في المجموع وما يقارب 6,000 منهم تعرضوا لاستخدام الذخيرة الحية خلال الاحتجاجات الأسبوعية والتي هي بالمعظم سلمية – كانت أكثر اذا ما قورنت مع عدد الجرحى خلال كامل فترة الصراع والتي استمرت لمدة 50 يوما في صيف عام 2014، كان ينبغي أن تثير ردود فعل قوية وتحركات كما كان ينبغي أن يؤدي مقتل 14 طالبا من طلبة الأونروا، والذين تراوحت أعمارهم بين 11 إلى 16، إلى ردود وتحركات قوية.
في سوريا، وفي حين أن هناك بعض الارتياح بين اللاجئين الفلسطينيين بأن التداعيات الدراماتيكية للنزاع قد اصبحت شيء من الماضي، فلا يزال هناك قلق عميق حيال ما يخبئه المستقبل. والسؤال الذي يدور في ذهن الجميع هو: هل العودة إلى مخيمات كمخيم عين التل أو اليرموك ممكنا؟ إننا نتعامل في اقليم سوريا مع جيل آخر من لاجئي فلسطين يعانى من صدمة التشرد والضياع وعلى نطاق واسع.
في لبنان، فإن الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية الناجمة عن محدودية حقوق اللاجئين الفلسطينيين والضغوط الأشمل الناجمة عن الصراع في سوريا، قد ساهمت بترك اللاجئين للبلاد. هذا هو نفس المنحى الذي شهدناه في سوريا نفسها، وكذلك الحال، وإن كان ذلك في نطاق محدود حتى الآن، أيضا في غزة. إن عدد لاجئي فلسطين الذين يغادرون المنطقة، في ظل غياب أفق سياسي حقيقي وشامل، آخذ في الازدياد حيث أضحت أوروبا وجهتهم.
وضمن هذا السياق الدراماتيكي، واجهت الأونروا، وتستمر بمواجهة، التحديات والضغوط الخاصة بها حيث فرضت الأزمة المالية غير المسبوقة عام 2018 إلى اضطرار الوكالة اتخاذ بعض التدابير الصعبة -- والتي رافقها في بعض الأحيان نتائج صعبة للغاية على الموظفين -- والتي جاءت ضمن سياق الاستراتيجية الرامية للحفاظ والابقاء على الغالبية العظمى من الخدمات. وبفضل الحشد الاستثنائي من الجهات المانحة والدول المضيفة والشركاء الآخرين، فضلاً عن الدعم المقدم من الأمين العام للأمم المتحدة وكثير من الزعماء الآخرين، والوزراء وكبار المسؤولين في جميع أنحاء العالم، فقد نجحنا في التغلب على أكبر عجز في تاريخ الأونروا.
لقد بدأ عام 2019 بتوجه أكثر إيجابية، وذلك بفضل الجهود الكريمة من قبل العديد من الجهات المانحة والتي قامت بدفع مساهماتها المالية مقدما، الأمر الذي سيتيح لنا الحفاظ على الخدمات مستمرة دونما انقطاع وحتى أوائل حزيران. ان الميزانية الاجمالية للأونروا لهذا العام، والبالغة 1.2 مليار دولار أميركي، سوف تمكننا من تغطية احتياجاتنا لهذا العام في حال حافظت جميع الجهات المانحة على نفس مستويات 2018 من التمويل. وكما هو معلوم للجميع فإن حشد وجمع التمويل ليس أبدا بهذه السهولة ونحن في هذا المقام نتواصل وبهمة عالية مع المانحين بهدف اطلاعهم على كافة الضغوط المالية الحرجة والمتواصلة.
وعلى وجه الخصوص، فقد أبلغنا شركائنا بأن الأونروا ستعاني من مستويات مالية سلبية جدية في حزيران، مباشرة بعد انتهاء شهر رمضان المبارك. ولذلك فنحن نوظف كل مناسبة مهمة، مثل مؤتمر القمة العربية الأخير في تونس، ومشاورات ستوكهولم والعديد من الاتصالات الثنائية، في محاولة للإبقاء على واستمرار جهود التعبئة الناجحة لعام 2018.
في غضون ذلك، فنحن مستمرون في إدارة عمليات الأونروا بإرادة قوية وانضباط مالي. وكما ذكرت لكم في رسائل سابقة، كنا دائما ملتزمين بتحديد الفرص المتاحة لتحسين وضع اللاجئين والموظفين، متى وحيثما كان ذلك ممكنا.
واليوم، يسرني أن أعلن عن سلسلة من التدابير التي من شأنها أن تؤثر وبشكل إيجابي على اللاجئين الفلسطينيين والموظفين. هذه الخطوات هي نتيجة تنسيق وثيق بين فرق الاقاليم، وإدارات الرئاسة والمكتب التنفيذي وأود هنا أن أشكر الزملاء المشاركين في إعدادها.
في شهر أيار/مايو:
- سنعمل على تعيين 400 عامل نظافة بشكل مؤقت في جميع الاقاليم لتعزيز التزام الأونروا بضمان نظافة مخيمات لاجئي فلسطين خلال شهر رمضان المبارك. وستعمل هذه المبادرة أيضا على توفير أدوات جديدة ومعدات السلامة لموظفي البيئة الصحية لدينا
- سنطلق حملة رمضانية لجمع التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع التركيز على المواد الغذائية لقطاع غزة وعلى التعليم؛
- سنعيد تعيين ما يقارب 500 موظف من موظفي خدمات الصحة النفسية المجتمعية وغيرهم من الموظفين بدوام جزئي في غزة، إلى العمل بدوام كامل من تاريخ 1 أيار وحتى 31 كانون الأول. هذا إجراء خاص للاستجابة للعواقب الخطيرة التي نتجت عن سنوات من مواجهة الحصار والصراع، وبشكل رئيسي على الفتيان والفتيات في غزة، حيث يعاني 68٪ من الأطفال إما من الاكتئاب أو من اضطرابات النوم والقلق وغيرها من مختلف أشكال الصدمات؛
- واقراراً بحق كل طفل في اللعب، فإن الأونروا وبالشراكة مع اليونيسيف ستقوم برعاية ألعاب الصيف في غزة. سيبدأ التسجيل لمبادرة "إبقاء الأطفال رائعين 2019" يوم 15 أيار وستبدأ الألعاب في نهاية حزيران مع استمرارها لمدة 6 أسابيع في 40 موقعا في أنحاء مختلفة من قطاع غزة.
في شهري حزيران وتموز:
- بعد الانتهاء وبنجاح من العام الدراسي 2018/2019 ستطلق الأونروا "حملة العودة إلى المدراس". سوف تبدأ الحملة -- وبمشاركة أكثر من 240 مدرسة (بالإضافة للعيادات) في اقاليم الأردن ولبنان وسوريا والضفة، بما فيها القدس الشرقية، وفي قطاع غزة -- بإجراء عمليات الصيانة لهذه المدارس وبهدف تحسين السلامة وتعزيز الحماية لطلبتنا. وهذا يشمل نقل الحمامات إلى داخل المدارس، والتأسيس لقاعات اللعب للطالبات وتعزيز الأمن والسلامة في أنحاء المنشآت. ويجري حاليا طرح ما يقارب من 20 مليون دولار كعطاءات ليتسنى البدء بأعمال الصيانة في أقرب وقت وبعد انتهاء العام الدراسي. وتسعى هذه العطاءات ايضا لتحقيق المنفعة لصالح الشركات المحلية والتي ستوظف اللاجئين لهذا الغرض؛
- وفي الضفة، ستباشر الأونروا، بالتعاون مع شركاء آخرين، بأعمال صيانة وتدريب للموظفين، وكذلك تركيب المعدات الجراحية التي يحتاج إليها مستشفى قلقيلية. ونحن ما زلنا ملتزمين بالبحث عن شراكات جديدة في الوقت الذي نهدف فيه الحصول على استثمارات محددة لهذا الهدف.
- مع أوائل شهر تموز، تعتزم الأونروا زيادة مبالغ الإعانات النقدية لبرنامج شبكة الأمان المجتمعي في الأردن ولبنان لتعكس التكاليف المتزايدة ومعدلات الفقر في هذين الاقليمين؛
- وسيشهد شهر تموز أيضا بداية التدريب على التطوير المهني الذي طال انتظاره للباحثين الاجتماعيين الذين سيحصلون على تدريب إضافي لتحديث مهاراتهم بهدف تقديم المزيد من الدعم لعائلات لاجئي فلسطين. سوف يبدأ التدريب أولا في غزة وسوريا ولبنان هذا العام وفي الضفة والأردن في العام المقبل.
نحن نعتبر هذه المبادرات مهمة جداً في وقت يشهد الكثير من الشكوك وعدم الاستقرار. أنها إشارة مرة أخرى على الإرادة المطلقة للأونروا لتنفيذ تفويضها والرقي إلى مستوى مسؤولياتها تجاه لاجئي فلسطين. وبهذا فإننا نؤكد على أنه عندما يعمل كل من المجتمع والموظفين والاتحادات والإدارة مع بعضهم البعض فمن الممكن ايجاد بعض الحلول للقضايا من أجل التحسين.
نعلم أن التوقعات بين اللاجئين والموظفين تذهب إلى ما هو أبعد من هذه التدابير، ولكن اسمحوا لي أن أكون صادقاً في القول بأن الأشهر القادمة ستكون صعبة جداً. وحيثما ذهبت فإنني أجد تضامناً حقيقياً ولكن أيضا وفي بعض الأحيان أواجه آراء تنتقد الأونروا بشدة بشأن قضايا مثل الحياد والكتب المدرسية وحول شرعية عمل الوكالة. هذا ومن المتوقع أن مثل هذه الهجمات ضد الأونروا ستستمر. اننا سنقف بحزم وسوف نستثمر في نقاط القوة لدينا مع إجراء التعديلات والتصحيحات عند الحاجة. لن نتراجع أبداً عن التزامنا تجاه اللاجئين الفلسطينيين وتجاه تفويضنا.
ستعمل الأونروا خلال الأشهر المقبلة مع دول كثيرة – دولا مضيفة ومانحة – وكذلك مع المؤسسات التي تدعمنا وتثق بنا. سيكون هناك عمل هام مع أعضاء اللجنة الاستشارية وسيعقد أيضا مؤتمرا لإعلان التبرعات في حزيران. وسيكون هناك حدث خاص آخر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول. سنبقى على تواصل تام وسنعمل جاهدين لإيجاد طرق جديدة لتحقيق الاستقرار المالي للأونروا وسنعمل مع الدول الأعضاء ضمن سعينا لتحقيق عملية تجديد سلسة لتفويض الأونروا.
أنتم تعلمون أننا لا نقوم بهذه الجهود والخطوات من أجل ألأونروا كوكالة. نحن نفعل ذلك للاجئي فلسطين، ولأجل كرامتهم وحقوقهم. نفعل ذلك حتى يبقى العالم منخرطاً في البحث عن حل عادل ودائم. نفعل ذلك لنرقى إلى مستوى الشجاعة والشغف الذي يتحلى به 532,000 من الفتيات والفتيان في مدارس الأونروا، والذين يستحقون مستقبلا، ويستحقون أن يكون لديهم أفق. انهم يستحقون الاحترام والحماية والحفاظ على الأمل.
------------
* المفوض العام للأونروا