يعتبر السلم الأهلي من أهم مقومات استقرار المجتمعات ونمائها، خاصة في المدن التي تواجه تحديات سياسية واجتماعية استثنائية مثل القدس، حيث تعيش المدينة المقدسة وضعًا معقدًا بفعل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي التي تُعمّق الانقسام وتُضعف البنية الاجتماعية الفلسطينية، ما يجعل تماسك أبناء المجتمع المقدسي ضرورة ملحّة للحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي وضمان استمرارية الحياة الكريمة لأبنائها.
تتخذ السلطات الإسرائيلية إجراءات ممنهجة لعرقلة الحياة الطبيعية في القدس الشرقية، منها مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وفرض القيود على الحركة والبناء، إضافة إلى الاعتداءات المتكررة على الأماكن المقدسة، كما يُقيّد الاحتلال تدخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مما يؤدي إلى فراغ أمني يُستغل أحيانًا لتأجيج الخلافات بين العائلات والمجموعات داخل المدينة.
هذه السياسات تهدف إلى تفكيك المجتمع المقدسي وتدمير بنيته الاجتماعية، حيث تُغذي مشاعر التوتر وانعدام الثقة بين أفراده، وتُضعف قدرتهم على مواجهة الاحتلال كشعب موحد.
تُعد القدس من أكثر المحافظات الفلسطينية خصوصية، فهي القلب الروحي والسياسي للشعب الفلسطيني، ولكن هذه الخصوصية تجعلها أكثر عرضة للاستهداف من الاحتلال، وأكثر حاجة إلى وحدة المجتمع وتماسكه، بعكس المحافظات الأخرى التي تتمتع بقدر أكبر من السيطرة الفلسطينية، إذ تعتمد القدس على الجهود المجتمعية الذاتية للحفاظ على السلم الأهلي وتعزيز التآخي بين سكانها.
وفي القدس يلعب رجال الإصلاح ووجهاء العائلات دورًا أساسيًا في معالجة الخلافات العائلية والاجتماعية التي قد تتفاقم بسبب الظروف السياسية، ومن خلال تعزيز ثقافة التسامح والتصالح، يعمل هؤلاء القادة المجتمعيون على تهدئة النزاعات قبل أن تتحول إلى أزمات تهدد السلم الأهلي.
ويُعتبر الحوار المجتمعي أحد الأدوات الفعّالة التي يستخدمها الوجهاء ورجال الإصلاح لاحتواء الأزمات، كما أنهم يشجعون على تعزيز القيم الإسلامية والمسيحية المشتركة التي تدعو إلى التسامح والمحبة والتعاون، ما يُسهم في تقوية الروابط الاجتماعية وتقليل التوترات الداخلية.
- تعزيز ثقافة التسامح والتآخي في القدس يُسهم في تحقيق عدة أهداف:
1. تقوية الوحدة الوطنية و الوقوف صفًا واحدًا أمام التحديات السياسية والاجتماعية يعزز مناعة المجتمع ضد محاولات الاحتلال لزرع الفُرقة.
2. الاستقرار الداخلي الذي يؤدي إلى تقليل النزاعات الداخلية والحفاظ على الاستقرار المجتمعي.
3. نقل رسالة عالمية إيجابية تظهر للعالم صورة مجتمع فلسطيني متماسك رغم كل التحديات، ما يدعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية، خاصة في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لتهجير السكان الفلسطينيين وتقويض هويتهم، من خلال تفعيل دور رجال الإصلاح وتعزيز قيم التسامح والتصالح، الذي يمكن المجتمع المقدسي من أن يبقى صامدًا وقادرًا على مقاومة التحديات التي تُفرض عليه، لتظل القدس رمزًا للوحدة والسلام والأمل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها