قبل فترة من انعقاد القمة العربية في البحر الميت هناك استعدادات كبيرة تقودها الأردن لتهيئة البيئة العربية عموماً والبيئة الفلسطينية خصوصاً لمبادرة سلام أمريكية محتملة تحدث عنها الإعلام قبل ذلك وسماها بالصفقة الكبرى أو صفقة الحد الأدنى، الاستعدادات اكتملت باللقاء المصغر بعد القمة العربية بين الملك عبدالله الثاني والرئيس السيسي والرئيس أبو مازن، كل هذا كان يجري في ظل مباحثات أمريكية إسرائيلية حول الاستيطان انطلقت بالتحديد بعد الزيارة الأخيرة للمبعوث الأمريكي للسلام جيسون غرينبلات واستكملت هذه المحادثات في واشنطن بحضور رئيس طاقم مكتب نتنياهو يؤاف هروفيتش ومستشاره السياسي يونتان شختر وكان هدفها وقف الاستيطان في الضفة والقدس، ووقف بناء أي مستوطنات جديدة،  يبدو إن واشنطن والأردن تقاسمتا منذ زيارة الملك عبدالله الأولي لواشنطن الأدوار لتهيئة الأجواء لهذه لصفقة ترامب،  ترامب يفاوض إسرائيل لكبح جماح النشاط الاستيطان ويوقف تمدده والملك عبدالله يعمل على تهيئة البيئة العربية وخلق مناخ عربي يوفر غطاء إقليمي لعلمية سلام تنهي الصراع وهو العائق الكبير أمام صفقة ترامب .

يبدو إن هناك قناعة ما في إدارة الرئيس ترامب إن الفلسطينيين لن يقبلوا بالمفاوضات من جديد والاستيطان على حاله وان لا مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن أن تنطلق قبل وقوف الاستيطان أو على الأقل كبح التمدد الاستيطاني في مستوطنات الضفة الغربية والقدس وتقديم مبادرات حسن نية إسرائيلية تجاه الفلسطينيين , الأسبوع الماضي خلال اجتماع الكابينت الإسرائيلي قال نتنياهو لوزرائه إن الولايات المتحدة طلبت رسمياً من حكومته تقديم تنازلات لتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين وأكد لوزرائه أيضاً إن ترامب يسعي للتوصل إلى تسوية سياسية في المنطقة وانه بصدد الدفع بمبادرته بشكل علني في الأيام القادمة لذلك يريد منا كبح النشاط الاستيطاني وعن الاستيطان في القدس قال "أن هناك بعض الأحياء في القدس قد لا نستطيع البناء فيها "إلا انه أكد لوزرائه إن لا قيود على البناء الاستيطاني في القدس وقال " لكن علينا العمل بذكاء" . هنا يبدو واضحاً إن أمريكا اليوم وصلت مع إسرائيل إلى نقطة هامة تفهمها إسرائيل وتتعاطى معها في الأيام القادمة بالموافقة على كبح النشاط الاستيطاني وفي القدس أيضاً دون إبداء أي اعتراض أو استثناءات .

الولايات المتحدة بدأت مباحثات هامة جدا هذا الأسبوع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبعد يومين هناك مباحثات مع الملك عبدالله الثاني في واشنطن أيضاً ومنتصف نيسان الحالي ستكون جولة مباحثات ثالثة مع الرئيس أبو مازن،  المعروف إن الزعماء الثلاثة سيحملون ملف الصراع وان ترامب سوف يبحث مع الزعماء الثلاثة مركبات هامة لمبادرة أمريكية تقود لصفقة كبرى يخصص جانب كبير جداً من هذه الصفقة لتطبيق حل الدولتين يبدأ بإطلاق مفاوضات فلسطينية إسرائيلية برعاية أمريكية وغطاء مصري أردني سعودي إماراتي مشترك، على أن تعقد في ثلاث عواصم واشنطن والقاهرة وعمان، واعتقد إن هذه المفاوضات تهدف لوضع الخطط المرحلية للمفاوضات والجدول التنفيذي لتناول القضايا النهائية حسب الأسس التي تفاهم عليها العرب وترامب وأتمنى أن يكون حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية أساس هذه المفاوضات دون اختزال وسوف تتابع كل من الأردن ومصر تقدم تلك المفاوضات وتتولى مهمة تفكيك أي تعقيدات أمام المفاوضات بالإضافة لإبقائها بعيدة عن الإعلام ومن المتوقع أن يبقي طاقم أمريكي مختص على رأسه غرينبلات قريباً من هذه المفاوضات. نعم سيحمل الزعماء ذات الملف الفلسطيني وسيتحدثون عن مخاطر استمرار الاستيطان الإسرائيلي ويؤكدوا إن أي مفاوضات تنطلق بين الطرفين لابد وان تبني على أساس إنهاء الاحتلال لكن المهم ما بعد هذا التفاهم الأمريكي العربي وثمن قبول إسرائيل بكبح جماح النشاط الاستيطاني والتغير الكبير في موقف الإدارة الأمريكية .

ارتباط موضوع المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وموضوع السلام بالعلاقة بين العرب وواشنطن من ناحية وبين العرب وإسرائيل من ناحية أخرى هذا هو سر اللعبة في حد نظري لان السعي الأمريكي بات واضحاً من اجل صفقة كبرى تشمل مباحثات حول حلف جديد بالشرق الأوسط تدخل فيه كل من أمريكا وإسرائيل هذا الحلف ومن المتوقع أن يكون هذا الموضوع من أهم المواضيع التي طرحت على طاولة النقاش بين الرئيس الأمريكي والرئيس السيسي ومن ثم عبدالله الثاني وقد تكون المباحثات تركزت على مواضيع ابعد من تشكيل هذا الحلف أي مهام الحلف ودور كل من إسرائيل وأمريكا فيه والدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي لدول الحلف، قد لا يكون تشكيل هذا الحلف ينتظر انطلاق المفاوضات أو نجاحها أو حل الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية،  بل أعتقد إن هذا الحلف قد شكل بالفعل وما مسألة الإعلان عنه في مؤتمر إقليمي إلا مسألة روتين برتوكولي فقط لا أكثر ولا اقل، أتمنى أن لا يكون هذا الملف هو قاعدة الاهتمام الكبير بحل الصراع وإلا يكون الملف الأول في المباحثات التي أجراها ترامب والسيسي والتي سيجريها ترامب والملك عبدالله الثاني لكي لا تنجح واشنطن في إدخال إسرائيل إلى الصف العربي والعمل على الملء بدس سمومها في قلب الإقليم أكثر من ذلك وأتمنى أن لا يكون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مقابل هذا الثمن.