إن الاعلام هو مؤشر الحقيقة والمصداقية، هو يجب أن يكون كذلك، وهو مؤشر الحيادية والموضوعية ولا تبتعد هذه المواصفات في نقل الخبر أو المعلومة عن ضرورة رسم الصورة الكاملة للحدث، لأن اجتزاء أو اقتطاع أو ابتسار جزء منه فقط وإن كان صادقا يعد تشويها للحقيقة وطعنا في المصداقية.

إن الإعلام تعبير عن الوقائع وسجلّ للمشاهد يختلف كليا عن الإعلان والترويج والتسويق حيث يبتغي الإعلان تجميل المطلوب (المنتج) وتبخيس المرفوض برغبة التأثير على المتلقي وجذبه، ومهما كان (التسويق) للفكرة أو المنهج جائزا وضروريا إلا أنه بمقدار ملامسته للحقيقة يستقر لدى المتلقي وفي وعيه ، وبرغم ذلك فإنه من المفترض للإعلام المحايد (غير الإعلام التعبوي أو التنظيمي أو الحزبي ...) أن (ينقل) الصورة أو الحدث كما هو متعديا منطق الحكم المسبق.

طالعتنا الصحف والإعلام الجديد بما رجح لدينا لجوء كثير من وسائط الإعلام العامة (وتلك الحزبية قطعا) لأساليب تنحرف عن مهمة الاعلام، فظهر لنا الاعلام المضلل والإعلام المشكك، والإعلام المبتسر (المجتزئ)، والإعلام التهويلي التضخيمي بأبشع صورة.

أن منطق الاعلام بقصد الاثارة كهدف رئيس لغرض التأثير هو ما حصل ويحصل يوميا ولنأخذ نماذج قليلة في الفترة القليلة السابقة لهذا الشهر فبراير 2017 فالإعلام المبتسر على سبيل المثال توسع بعرض لقاءات الأخ الرئيس أبو مازن مع المطربة أحلام و متنافسي محبوب العرب بحيث أن الاعلام هذا أوقع في روع القارئ أن زيارته تركزت على هذا الموضوع تخصيصا او كأنها الحدث الأساس في حين تم إهمال هذه المواقع لعشرات اللقاءات الأساسية والناجحة للرئيس مع القيادات اللبنانية وكذلك الفصائل الفلسطينية وشبيبة المخيمات وغيرها من اللقاءات. ولا يمكن أن نفهم مثل هذا الاجتزاء والتشكيك والتكرار للحدث الا في إطار أهداف الجهة الاعلامية-السياسية، هذا الى جانب تفهمنا لمن لا يحبون الفن أصلا فهذ شأنهم وان اختلفنا معه، أو تفهمنا واتفاقنا أو اختلافنا مع من له رأي سياسي مناقض لأي تحرك للرئيس.

لقد طغت المقارنة بين استقباله لمتنافسي محبوب العرب وامتناعه عن اللقاء مع المخيمات أو عدم زيارته لمقبرة الشهداء، وهنا وقعنا كجمهور بين براثن الاعلام المضلل فلم يكن لهذا الخبر أي خط من الحقيقة فالرئيس التقى كوادر المخيمات وزار مقبرة الشهداء! ما يؤشر للتضليل الاعلامي المتعمد في صياغة الخبر للإثارة من جهة ولإيقاع التأثير السلبي ضد الزيارة (وبالطبع ضد لسياسة الفلسطينية أصابت أم أساءت) التي كان من المتوجب التعامل في نطاق نتائجها السياسية تلك التي كان فيها لشهادة القيادة اللبنانية ما يكفي ، وإن انتقد البعض نقص اللقاءات مع بعض الجهات سواء الفلسطينية أو اللبنانية فإن ذلك يجب أن يُقرأ بسياق الظروف والوقت وتداخلات السياسة.

إما الاعلام التهويلي فتراه كنموذج آخر بموضوع فيما حصل في مؤتمر اسطنبول ما بين المبالغات في عدد الحضور بالجلسة الافتتاحية من الفين الى ثلاثة إلى خمسة آلاف دون النظر لعدد الحضور للجلسات الذي تراوح بين 100 ومائتين فقط لتكتمل الصورة ويصبح النظر في نطاقه الحقيقي.

إن التحذير من تزييف الوعي السياسي للجماهير من خلال الاعلام المبتسر الذي يركز على جزء مقتطع من الصورة، أو ذاك التضليلي الذي يدمج بعض الحقائق مع تحليلات سُميّة أو أكاذيب أو ذاك التهويلي المبهرج الذي ينقلنا للخيال والأحلام.