ونحن في أجواء الذكرى المئوية الأولى لوعد بلفور المشؤوم الذي أنتجه المال اليهودي، والموجة الاستعمارية العاتية في ذلك الوقت التي كانت تتصرف بلا ضوابط في تركة الرجل المريض_كما أطلق على الخلافة التركية تابعت بحذر شديد المؤتمرين اللذين عقدا بالتزامن تقريبا في طهران واسطنبول، أولهما مؤتمر دعم المقاومة الذي عقد في طهران، وشارك فيه تابعو الإسلام السياسي الشيعي صغارا وكبارا، وخطابه الملتبس الذي ظهر في البيان الختامي الذي لم يرسو على اتجاه واحد، وتورط فيه الفلسطينيون المشاركون بما لم يطلب منهم مع إنهم يعلمون إن المؤتمر كله ليس إلا صدى لانقلاب الموقف الأميركي على الاتفاق النووي الإيراني بكل حواشيه.

أما المؤتمر الثاني الذي عقد في إسطنبول وشارك فيه تابعو الإسلام السياسي السني، وخطابه الأكثر التباسا، لأنه لم يتوخ أي فائدة للشتات الفلسطيني، بل سعى بكل جهد لإلحاق الأذى بالشرعية الفلسطينية، لأن تركيا تواجه حالة شاملة من عدم الاستقرار، عبر استمرار نظام اردوغان في الاشتباك مع كل مكونات الشعب التركي، ويعاني اضطرابا في فهم حقيقة الموقف الأميركي، كما يعاني من تغير حاد في طبيعة الموقف الأوروبي خاصة لجهة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، واتضاح إن هذا الأمل ابعد حتى مما كان يتخيله المتحفظون.

وكلا المؤتمرين الشيعي في طهران والسني في إسطنبول حاول أن يلعب في الورقة الفلسطينية، بينما الشعب الفلسطيني موحد لم يهتم أدنى اهتمام بهذين المؤتمرين، وهو يواصل صعود وحدته كشعب، ووحدته كقضية، ووحدته كأداة سياسية، وان الفلسطينيين الذين شاركوا في المؤتمرين أكثرهم من سقط المتاع، وهم من مفردات وعد بلفور حينما جال الياهوساسون في النصف الأول من القرن العشرين مبشرا بالصهيونية ووعودها على النسيج الطائفي في المنطقة، فوقعوا له على بياض وأعطوه كل الوعود، إلا إن الشعب الفلسطيني المغدور، رغم كل جراحه ورغم كل ما تعرض له من إنكار، وما بلي به من استخدام لجراحه، فاجأ الجميع بقيامه من الموت المحقق، مثبتا انه شعب عريق واحد بقضية واحدة وليس مزقا من طوائف متناحرة هنا أو هناك.

وبينما كان اللاعبون الكبار والصغار منهمكين في الانكفاء على أوهامهم في كلا المؤتمرين كان الشعب الفلسطيني كله يتجلى في حضوره الخاص في مجد الكروم ورام الله وبيت لحم والقدس وفي مخيمات لبنان وحتى في حضوره في أميركا نفسها، بل إن الجمل الصادقة والعميقة التي تبادلها يعقوب شاهين وأمير دندن على الهواء مباشرة كانت أعمق وأوضح واشمل في معانيها من الخطابات الملتبسة التي جاءت على ألسنة الخطباء في كلا المؤتمرين.

ذلك ان الحضور في المؤتمرين رغم تناقضهم المريع، كانوا يعزفون على أوتار وعد بلفور نفسه رغم صراخهم الحاد وضجيجهم الزائف، أما وحدة الشعب الفلسطيني وشرعيته الوطنية التي تجلت في كل مكان فإنها تعزف على أوتار البطولة والقراءة الواعية لما يحدث في العالم، والأمل الذي نبنيه خطوة وراء الأخرى في زخم حياتنا اليومية، أولئك ذاهبون إلى الخيارات الملتبسة، ونحن قادمون مع الأمل الأكيد.