ما أن يستشعر المواطن الفلسطيني في مخيم عين الحلوة، جنوب صيدا، وأكبر المخيمات في لبنان بالهدوء النسبي، حتى تعود عصابات التكفير بإشعال فتيل الفتنة فيه. وكأن المخيمات الفلسطينية لم تكفيها مصائبها وهمومها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحرمانها من العمل في ميادين تصل إلى قرابة ال90 مهنة نتاج السياسات غير الإيجابية، التي فرضتها الدولة اللبنانية على اللاجئين الفلسطينيين.

مع ذلك، تلك السياسات التمييزية تهون نسبياً أمام تغول وتوسع الجماعات السلفية التكفيرية في أوساط المخيمات وخاصة مخيم عين الحلوة، التي وجدت لتحقيق غايات وأهداف بعينها. وكون المخيم أمسى مستهدفا من قبل العديد من القوى والدول وخاصة إسرائيل ومن يتعاون معها في الساحة اللبنانية، وهي التي تمول تلك الجماعات وتغذيها. كما ساهمت حركة حماس عبر وجودها في خلق بيئة مناسبة لتفشي ظاهرة الجماعات التكفيرية، وهي تتقاطع معها في أهدافها. التي تتمثل في : أولاً تمزيق وحدة النسيج الوطني والاجتماعي في المخيمات، ونقل حالة الانقسام إليها؛ ثانياً ضرب روح المقاومة في أوساط الشباب؛ ثالثاً إعطاء الذرائع للقوى المضادة للانقضاض على المخيم أسوة بما حصل في مخيم نهر البارد، الذي مازال يعاني حتى الآن من جريمة تدميره قبل عشرة أعوام خلت، لاسيما وان ما تم بناءه من بيوت بديلة للمدمرة، لم تحل أزمة اللاجئين الفلسطينيين هناك؛ رابعاً دفع اللاجئون الفلسطينيون نحو الهجرة واللجوء مجددا إلى الدول الغربية، وذلك لإجهاض أحد أهم ركائز القضية الفلسطينية، مسألة اللاجئين، وتفريغها من محتواها، وإعفاء دولة التطهير العرقي الإسرائيلية من عودتهم لديارهم التي طردوا منها عام النكبة 1948؛ خامسا تبديد الحلم والأمل في أوساط الفلسطينيين في لبنان عموما وعين الحلوة خصوصا.

كما اشير آنفا، هذه ليست أول اشتباكات داخل المخيم، بل هي واحدة من سلسلة طويلة،حيث تقوم تلك القوى بين الفينة والأخرى بالافتعال المبيت لتحقيق ما تقدم. وللأسف تستغل تلك القوى ضعف وتراجع مكانة ودور قوى منظمة التحرير وخاصة حركة فتح لتتوسع على حسابها، وتفرض أجندتها وأجندة القوى الداعمة والممولة لها من الداخل اللبناني والعربي والإسرائيلي والدولي. لاسيما وان الهجوم المسعور على القضية والقيادة الشرعية ومنظمة التحرير الفلسطينية تتم من جبهات متعددة في الداخل والشتات وحيثما وجد تمثيل وحضور فلسطيني. والكل يريد شرا بالشعب وقضيته وقيادته وممثله الشرعي الوحيد.

ورغم انه تم أمس الاتفاق بين القوى السياسية الفلسطينية في الساحة اللبنانية  اولاً،على وقف إطلاق النار في الساعة الثالثة من عصر امس؛ ثانياً، تشكيل لجنة من منظمة التحرير وممثلي التحالف، الذي تقوده حركة حماس لمراقبة وقف إطلاق النار، وإعادة الهدوء للمخيم. إلآ ان المعطيات المتوفرة، تشير إلى ان الجماعات الإسلامية المتطرفة في المخيم، وهي "جند الشام" و"فتح الإسلام" و"بقايا جماعة عبدالله عزام" شكلوا غرفة عمليات مشتركة تضم الإرهابيين: هيثم الشعبي، وأسامة الشهابي، وبلال بدر، بهدف إفشال أي تقدم يحول دون تصاعد الاشتباكات داخل المخيم الأكبر في لبنان. وبالتالي لحسم الأمر، يفترض إصدار قرار واضح وصريح بتصفية تلك الجماعات من المخيمات الفلسطينية كلها، وتطهيرها من التكفيريين، والتعاون مع  القوى الرسمية أو الأهلية اللبنانية لتنظيف المخيمات من تلك الجماعات الإرهابية. لأن تنظيف المخيمات منها، هو مصلحة لبنانية صافية. ولا يجوز التمنع من هذا الفريق أو ذاك في التعاون المشترك لتحقيق هدف وطني وقومي تحت حجج واهية.

 بالمحصلة من يراقب المشهد، يلحظ بشكل جلي حدة وتصاعد الحملة المعادية على الشرعية الوطنية، وكم السهام الموجهة لصدر القضية والمنظمة والشعب من قوى الأعداء في آن، من جماعة حماس في الداخل والشتات، مؤتمر العار في إسطنبول، مؤتمر طهران، إسرائيل والولايات المتحدة وبعض العرب  والمسلمين، فضلا عن الأخطاء والمثالب الداخلية. غير أن تلك السهام المسمومة سترتد إلى نحور كل القوى المطلقة لها.