كلما اشتد الخناق حول نتنياهو بسبب ملفات الفساد المتورط بها وأرقامها (1000،2000،3000،4000)، تمادى في الانزلاق أكثر فأكثر نحو الجنون الاستعماري، واتخذ سلسلة من المواقف المتطرفة للفت الأنظار عن جرائمه، وأيضا للمزاودة على أقرانه من اركان الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم، الذين ينتظرون بفارغ الصبر وضع رقبته في مقصلة الإعدام السياسي. لاسيما وانهم يسنون اسنانهم لتولي مقاليد الحكم مكانه. ومن الانتهاكات الخطيرة، التي لجأ لها في الآونة الأخيرة مع مطلع هذا العام اولا هدم (11) بيتا في قلنسوة في المثلث؛ ثانيا هدم (11) بيتا في أم الحيران في النقب، والحبل على الجرار في هذا الملف؛ ثالثا أطلق تصريحين لإعلان تخليه عن حل الدولتين، حينما رد على الوزير كاتس، الذي طالبه مع بينت "بالتخلي عن خيار الدولتين"، حينما قال له "انت لم تقرأني جيدا، انا قلت دولة منقوصة." والتصريح الثاني حينما اعلن "انه مستعد للعودة للمفاوضات مع القيادة الفلسطينية إذا قبلت بشرطين: 1- الاعتراف ب"يهودية" الدولة الإسرائيلية، 2- السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة من البحر إلى النهر"؛ رابعا حينما دعا بيتان، رئيس الائتلاف الحاكم في الكنيست الى تقديم تشريع البؤر الاستيطانية بالقراءتين الثانية والثالثة، والذي أُجل لليوم الثلاثاء للتصويت عليه؛ خامسا عندما وافق على بناء 68 وحدة استيطانية في مستعمرة "عوفرا"؛ خامسا دعم إعلانات بناء ما يزيد على عشرة آلاف وحدة استعمارية في العديد من مستعمرات القدس وخاصة في قلنديا لفصل القدس كليا عن الضفة؛ سادسا وهناك مؤشرات تتضاعف يوما تلو الآخر على إمكانية شن حرب على محافظات قطاع غزة في المدى المنظور.

هذه وغيرها من الانتهاكات والجرائم، اقدم عليها رئيس الحكومة الآيل للسقوط عن كرسي رئاسة الوزراء، التي قضى فيها احد عشر عاما حتى الآن، للدفاع عن هويته الصهيونية المتطرفة، وللتأكيد للشارع المتطرف في إسرائيل، انه لا يوجد ند له في التطابق مع خيار الاستيطان الاستعماري وتدمير خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وبالتالي استعطاف الشارع الإسرائيلي لدعمه في مواجهة القضاء والشرطة الإسرائيلية ومن يستهدفونه بالشطب عن كرسي الحكومة. وهو ما يعني الذهاب بعيدا في جر إسرائيل والمنطقة برمتها إلى حافة الهاوية، وعودة الأمور إلى المربع صفر.

هذا التسرع والسباق مع الزمن في سياسة زعيم الائتلاف الحاكم، رغم انها تنسجم وتتوافق مع خياره المعادي للسلام، إلا انها ايضا تخدم من وجهة نظره حماية موقعه في كرسي الحكم، مستفيدا من تولي الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترامب الحكم، فضلا عن الظروف الموضوعية الأخرى، التي تسهل عليه المضي قدما في مسار الانحدار نحو الهاوية. غير ان جميع اقرانه في الائتلاف وفي ما يسمى المعارضة يعلمون علم اليقين إلى ما يرمي إليه نتنياهو. وبالتالي بقدر ما يستفيد أقرانه في الائتلاف من اندفاعه في مخططهم الاستعماري، بقدر ما يلاحقونه خطوة خطوة حتى يدفعوه للسقوط والسجن إسوة بمن سبقوه من رؤساء الحكومات السابقين. لأن مصلحتهم تكمن في خروجه من رئاسة الحكومة. وحتى إيهود باراك، الذي أخذ يطفو على المشهد السياسي تدريجيا، وهيرتسوغ، زعيم المعارضة وليفني ولبيد وغيرهم، حذروا من مخاطر السياسة، التي ينتهجها، لإنها تدفع إسرائيل للوقوف في قفص المحاكم الدولية والأوروبية، وهو ما يعني انه بقدر ما يريد ان يرفع المقصلة عن رقبته، يدفع رقبة الدولة الإسرائيلية في المحاكم الأممية محلها. ولهذا فريق المعارضة يدعوه للاستقالة دون تعريض رأس الدولة للمحاكم والملاحقة القضائية.

غير ان بنيامين نتنياهو لا يأبه إلا بمصيره ومواصلة تخندقه في كرسي الحكم. ولم يعد يرى نفسه إلا ملكا متوجا على رأس إسرائيل، ويعمل بطريقة "علي وعلى أعدائي" دون النظر لمصالح إسرائيل الاستعمارية من وجهة نظره. النتيجة إسرائيل وحكومتها تتدحرجان بسرعة نحو حافة الهاوية لا محالة.