بقلم: احمد النداف

خاص - مجلة القدس العدد السنوي 333

في الوقت الذي تنهي فيه البشرية عامها وتلج إلى عام مقبل، لايزال الوطن العربي يعيش وسط أزمات متلاحقة، وكوارث بدأت قبل سنوات عرفت بسنوات (الربيع العربي )، والذي ثبت انه لا يمت لفصل الربيع الجميل المفعم برائحة الورود والمعبأ باريج الزهور والنسائم العليلة بل على العكس تماما" فالعالم العربي يدخل العام الجديد وهو يتخبط بأزمات وكوارث تهدد حاضره ومستقبله. 

ومن خلال النظرة على خارطة الأزمات والتطورات العربية التي هزت ولا تزال اركانه من المشرق إلى المغرب ومنذ سنوات، والتي وصلت إلى مراحل خطيرة من الانهيارات لتضعه، أمام احتمالات مصيرية قد لا تنتهي إلا بإعادة رسم خارطته  الجيو- سياسية الجديدة والتي ستكون بالتأكيد مختلفة عن صورته الحالية والمعروفة حتى الان.

ففي الوقت الذي مر فيه قطار الربيع المشؤوم، على عدد من الدول العربية وتركها تعاني من أوضاع وأزمات وليفاجئها بسيره المسرع نحو المجهول. 

وفيما يلي أبرز هذه التطورات التي شهدها العام العربي والتي كانت حصيلة العام المنصرم.

 

قرار مجلس الأمن الدولي بوقف المستوطنات واعتبارها عملا غير شرعي، انتصار جديد للقضية الفلسطينية.

مع تبني مجلس الأمن الدولي القرار والذي يطالب فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إلى إزالة المستوطنات واعتبارها عملا مخالفا للقانون الدولي، تكون الحكومة الإسرائيلية قد دخلت في مرحلة جديدة من العزلة الدولية، بعدما تجاهلت الولايات المتحدة الاميركية استخدام حق النقض (الفيتو)، كما جرت العادة في كل القرارات التي تخص دولة الاحتلال الإسرائيلي  التي كانت تركن إليه إسرائيل للتهرب من تنفيذ القرارات الدولية، والذي كان يشكل لها في كل الحالات مظلة حامية في وجه العالم وإرادته الدولية.

 وهذا القرار الدولي الجديد يأتي تكملة لقرارات دولية سابقة تتعلق بالاستيطان باعتباره عملا مخالفا للقانون الدولي، والذي يضاف إلى قرارات أخرى لا تقل أهمية وخصوصا القرار الخاص بمدينة القدس المحتلة والذي كان قد اعتبر ان جميع الأماكن المقدسة فيها هي تابعة للطائفة الاسلامية والطائفة المسيحية هو قرار أكمل قرار منظمة الطيران المدني الدولي الذي كان حظر على شركة الطيران الإسرائيلية العال الطيران فوق المدينة المقدسة في وقت كانت تسعى فيه إسرائيل إلى تعزيز تواجد  مستوطنيها  والعمل على تغيير خارطة المدينة المقدسة وتحويلها إلى (عاصمة ) لدولة الاحتلال والعمل على نقل السفارات الأجنبية إليها بدءا من السفارة الأميركية في محاولة لنيل اعتراف العالم بالقدس عاصمة لها.

ويعتبر القرار الدولي ضربة جديدة لإسرائيل يحمل دلالات سياسية وقانونية وأخلاقية من خلال دعوته إلى وقف الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، وهو في نفس الوقت يعتبر استكمالا للقرار الدولي الصادر في العام 2012 الذي اعترف بالدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران واعتبارها عضوا مراقبا في الأمم المتحدة. كما انه يعتبر اضافة جديدة لحق الشعب الفلسطيني في إزالة الاحتلال عن أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرفبة.

ولعل البنود الثلاثة التي تضمنها القرار هو مايعطيه الأهمية خصوصا وانه اعتبر ان المستوطنات التي أقيمت في حدود الدولة الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية غير شرعية ويكرر المطالبة لإسرائيل بوقف الاستيطان الفوري والكامل ليضيف اليه البند الرابع اعتبار الاستيطان يهدد قيام الدولتين. وان كان هذا القرار لم يصدر تحت البند السابع الذي يفرض على مجلس الامن استكمال قراره بمتابعة تنفيذه على الأرض، بل صدر بناء على الفصل السادس الذي يبقيه رهن الالتزام الإسرائيلي الطوعي، وهو امر من المستبعد ان تقوم إسرائيل بالالتزام به وتنفيذه .

وعلى ضوء ذلك يفترض بالقيادة الفلسطينية ان تتابع تنفيذه واجبار إسرائيل على الالتزام به من خلال اللجوء الى المحافل الدولية الاخرى وخصوصا محكمة العدل الدولية انطلاقاً من اعتبار الاستيطان عملا جرميا" يؤدي إلى محاكمة القيادة الإسرائيلية والحكومة وعلى رأسها نتنياهو باعتبارهم مجرمي حرب من جهة ورفع قرار المحكمة الدولية إلى مجلس الأمن الذي سيكون ملزما لوضعه تحت البند السابع ولن يكون بحاجة إلى تصويت جديد كما يمنع الولايات المتحدة الاميركية من ممارسة حق النقض الفيتو. وهو ما تخشاه الحكومة الإسرائيلية أكثر من خشيتها من القرار نفسه، خصوصا وان العالم اليوم بدأ يلتمس حقيقة ان وجود اسرائيل يشكل عبئا عليه وأن وجودها يشكل خطرا على الأمن والسلام الدوليين. وهو ما يجب ان تتابعة القيادة الفلسطينية وفتح الباب امام المطالبة بتنفيذ كل القرارات الدولية المكدسة في إدراج مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة وخصوصا القرارات المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني في إزالة الاحتلال عن أرضه، والعودة إليها طبقا للقرار 194. والحق في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، كما يساهم هذا التحرك في تفعيل قرار اعتبار فلسطين دولة (مراقباً) وتحويله إلى قرار يعتبرها دولة كاملة العضوية العاملة في الهيئة العامة للأمم المتحدة والتي يصبح من حقها ان تترشح إلى عضوية مجلس الأمن الدولي بصفتها كاملة الحقوق والواجبات. والذي وقتها سينقل القضية الفلسطينية ودولتها المستقلة إلى طور جديد وهو ما يعتبر النصر الحقيقي وفي نفس الوقت يشكل بداية الطريق ما يجعل من إسرائيل دولة مارقة وغير شرعية لا ينقذها الفيتو الأميركي ولا التعاطف الذي لازالت تحظى به من بعض الدول التي لم تصحُ من غفوتها الانسانية والقانونية والشرعية.

وهذا ماتخشاه حكومة إسرائيل وقيادتها في حقيقة الامر.

 

حسم معركة حلب فتحت أبواب الحل السياسي للأزمة السورية

يبدو ان المعركة الحاسمة التي دارت رحاها في مدينة حلب السورية وشوارعها، والتي أسفرت عن تحريرها، وهي المدينة الاستراتيجية التي لها دلالات مهمة بالمعنى الاستراتيجي والاقتصادي والسياسي البالغ الأثر ليس في مسار الحرب الدائرة في سوريا منذ اكثر من خمس سنوات. بل تعتبر معركة المدينة التاريخية والمعروفة في كل أصقاع العالم وهي من أقدم المدن المأهولة في العالم والتاريخ الإنساني والاجتماعي، بل ان تحريرها يحمل ابعاداً جيوسياسية كبيرة ومؤثرة على مصير الكيان والوطن السوري، إن لم يكن على مستوى العالم العربي والإسلامي.

فمدينة حلب الشهباء التي تعتبر قاعدة الشمال السوري الممتد على طول الحدود السورية-التركية المشتركة وصولا الى العراق إلى الشرق، لايقتصر دورها على التاريخ والجغرافيا والإنسانية جمعاء .

بل هي أيضا تعتبر ( بيضة القبان ) ونقطة ارتكاز ومنطلقاً للحرب والسلم في المنطقة وسوريا، منذ أقدم العصور، فهي التي ارتبطت تاريخياً بإمبراطوريات ودول كان لها وقع مؤثر في التاريخ  لم يقتصر على الحقبة العربية والإسلامية بل تعداها ليكون اسمها مرتبطاً بالبيزنطيين والحمدانيين والعثمانيين وصولا الى دورها في مقارعة الاحتلال الفرنسي، ولعل ثورة إبراهيم هنانو أبان الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان خير شاهد.

وعلى هذا الاساس كانت مدينة حلب محط الأنظار منذ اندلاع الحرب السورية التي دارت ولا زالت منذ اكثر من  خمس سنوات متواصلة، ولهذا كانت المدينة تعتبر  نقطة ارتكاز هامة وضرورية في المخططات الإقليمية والدولية من نواحيها الجيو سياسية.

 وهذه السنوات العجاف التي لازالت مستمرة في سوريا والتي بدا لفترة قصيرة انها ستكون (سلمية) لم تكن المدينة من اولى المدن التي شهدت اي تحركات، بل على العكس كانت المدينة وأهلها يظنون أن (الحرب) لن تصل إليها، بل على العكس كانت من أواخر المدن التي طالتها الحرب وكان الكل قبل ذلك ينتظر حركتها و تحركها وموقعها كحجر الزاوية ونقطة الارتكاز وقد قيل وقتها انه ساعة وصول الحرب اليها فان ذلك يعني ان الحرب وصلت الى نقطة اللا عودة.

ولهذا كان الصراع على مدينة حلب محتدماً ومنذ اللحظة الأولى لتحول الأزمة السورية إلى (العسكرة) واستخدام السلاح في المواجهات بين النظام السوري وحلفائه من جهة وبين الإرهابيين الذين تلقوا الدعم الكبير عسكريا وسياسيا وماليا وهو ما ادى الى إدخالها في صلب الإستراتيجية لدى الطرفين، وخلال الأشهر الأولى وبعد سيطرة المسلحين عليها بدأ الحديث التركي عن إقامة مناطق عازلة (حزام آمن) كما وصفته على أن يشمل المدينة وريفها المترامي الأطراف، وهو ما كان يخطط له لمنع تواجد قوى النظام والسيطرة عليه، على قاعدة ان أي طرف يسيطر على المدينة وريفها يكون هو المنتصر بالنهاية وهذه الحقيقة ادركتها مختلف الأطراف .

وانطلاقاً من هذه النقطة كان النظام والجيش السوري يدركان انهما لو استطاعا تحرير كل المدن والقرى والارياف على طول وعرض سوريا ولم يتمكنا من تحرير مدينة حلب لكانا اعتبرا نفسيهما خاسران.

ولذلك اعتبرت القيادة السورية وفي المقدمة الرئيس بشار الاسد بان ما قبل حرب او معركة حلب شيء وما بعدها شيء آخر، والأمر ذاته أعتبره الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وهو المشارك إلى جانب النظام في حربه ويعتبر من اهم وأكبر  القوى التي دعمت النظام ضد التكفيريين الإرهابيين المدعومين من ( الجارة القريبة ) تركيا ومن خلفها الولايات المتحدة الاميركية وحتى اسرائيل نفسها، على الرغم من ابتعاد المدينة وأهلها عن الحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة بآلاف الكيلومترات .

 ودون أن ننسى دور الحليف الروسي القوي الذي دخل معركة حلب بكل قضه وقضيضه وبكامل عتاده المتطور واسلحته الحديثة الذي وقف الى جانب الدولة السورية والجيش والنظام والحكومة السورية في حربهم ومن هنا كان وصف الرئيس الروسي عملية  تحرير المدينة  بانها اكبر عملية إنسانية في العالم المعاصر توحدت فيها كل الجهود المشتركة لكل الذين تواجدوا لمحاربة الإرهاب الدور الحاسم في تحريرها. كما اعتبر ان المهمة الأساسية في الوقت الحاضر والراهن هي التوصل إلى تسوية سياسية .

وهذا التصريح قابله الرئيس السوري بشار الاسد بشكر الجهود التي بذلتها روسيا وكل الحلفاء والوقوف إلى جانب الجيش السوري في تحرير مدينة حلب ومثنياً  بشكل واضح بأن الانتصارات في حلب فتحت الطريق للتسوية السياسية في سوريا .

وهذا الامر فتح الطريق أمام الدعوة إلى القمة التي دعا إليها الرئيس الروسي في عاصمة كازاخستان (( المسلمة )) والتي سيتم فيها إطلاق الحوار السوري - السوري بين النظام ومعارضيه برعاية روسية مباشرة وان كان سيحضر القمة العديد من الدول العربية والإقليمية والدولية والتي ستحضر بدعوة من الطرف المنتصر في معركة حلب الاستراتيجية، باعتبارها معركة فتحت آفاقا جديدة تغيرت فيها ومعها مواقع ومواقف كثير من الدول وانتقالها من محور إلى آخر بعد سنوات من وقوفها إلى جانب الطرف الاخر، وهذا ما ألمح اليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي انطلق من الاستعداد الروسي لتطوير صيغة المؤتمر الذي يحضره بشكل أساسي إلى جانب روسيا كل من إيران وسوريا وتركيا والعراق لتشمل اضافة إلى ذلك دولاً سيدعوها الرئيس الروسي باعتبار انه يجب أخذ مصالحها بعين الاعتبار وضمان مشاركتها مشيرا إلى الأردن والمملكة العربية السعودية ومصر كما اكد انه لا يجوز تسوية الوضع في سوريا من دون إهمال دور الولايات المتحدة الاميركية .

وقد اكد الرئيس الروسي ان المرحلة الثانية للجهود على الاتجاه السوري يجب ان تتعلق بعقد اتفاقية لوقف إطلاق النار على كامل الاراضي السورية، يستكمل بدفع مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار وقف لإطلاق النار يليه مباشرة مفاوضات حول التسوية السياسية ولهذا ودائما لكلام الرئيس الروسي: ( أننا اقترحنا العاصمة الكازاخستانية أستانة منصة محايدة لإجراء المفاوضات التي كانت قد بدأت في جولات جنيف ووافق على الاقتراح الرئيسان التركي والإيراني وبطبيعة الحال الرئيس السوري بشار الاسد وقد وافق الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نازاريايف على تقديم هذه المنصة لإطلاق العملية السياسية الشاملة.

وخلاصة القول لقد تحررت حلب، و تحررت العملية السياسية من قيودها واشتراطاتها المتبادلة (كل الأطراف وافقت على العملية بلا قيد او شروط مسبقة وهذه اللغة كانت حتى الأمس القريب من المحرمات)، كما سقطت كل المراهنات التي عملت على تفتيت سوريا وتقسيمها، بعدما باتت دمشق العاصمة السياسية وحلب العاصمة الاقتصادية محررة وبيد الشرعية وتحت سيطرة النظام  والدولة بلا منازع ، حتى لو بقيت كثير من المدن والقرى التي لا تقل أهمية حمص وحماة والرقة وإدلب وتدمر وحتى بعض الأرياف المحيطة بريف العاصمة وغوطتيها الشرقية والغربية وهي على كل حال ستحرر قريبا عاجلا او  أجلا وهي فترة لن تطول قبل ان تلتحق بقطار التحرير الكامل على غرار حلب وان كانت الحلول السياسية لن تنتظرها، بل هي ستنطلق بعدما تأمنت القاعدة  الصلبة للحركة السياسية والمفاوضات وهو ما أشار اليه الرئيس السوري بشار الاسد بعد اتصاله بالرئيس الروسي وقال له أن العمل السياسي ممكن في سوريا بعد تحرير حلب، وهذا يحمل بطياته اطلاق العملية السياسية والموافقة على ان المعارضة المعتدلة والسياسية تستطيع العمل السياسي، والتي ستؤدي في نهاية المطاف الى ظهور سوريا جديدة لن تكون شبيهة كالسابق لا من جهة النظام السياسي ولا الاقتصادي ولا حتى الاجتماعي وهو هدف يبدو انه اصبح على اول الطريق والسكة وان كانت ملاحظة ان هذا الاعتبار لن يكون بهذه السهولة والسرعة التي لايمكن تحديدها وان كانت ليست بالطويلة او البعيدة، لكن المهم ان قطار الحل السياسي السوري قد أطلق صفارته معلنا بدء الرحلة، انطلاقا من محطة  الانتصار الاستراتيجي في حلب، الذي أثبت فعليا ان ما قبلها  ليس كما بعدها وان ما قبل حلب شيء وما بعدها شيء آخر .

 

هل فاجأت عملية الكرك القيادة الأردنية؟

شكلت العملية الإرهابية في مدينة  الكرك الأردنية، والتي نفذتها مجموعة تبين انها ترتبط بتنظيم داعش الإرهابي الذي كان قد نفذ عملية إعدام الطيار الأردني الذي كان يشارك في الجهود الدولية لمحاربة داعش في الاراضي السورية التي سيطرت عليها داعش، وخصوصا في مدينة الرقة التي تعتبر عاصمة ( دولة داعش ) ومقر إقامة وقيادة أميرها أبو بكر البغدادي الذي هدد يومها بالانتقام من الأردن رداً على مشاركة طيرانها الى جانب التحالف الدولي، شكل تطورا خطيرا، وقد جاءت هذه العملية الخطيرة بعد سلسلة من التفجيرات والتي استهدفت الكثير من المدن الأردنية كتطور جديد في أسلوب داعش، من خلال استهداف  مقرات أمنية وعسكرية مشهود لها في قدرتها التي يستمد منها الملك الأردني عبد الله الثاني قوته على الاستمرار في الحكم والإمساك بمقاليد الدولة الاردنية .

    ومنبع خطورة هذه العملية بانها جاءت في خضم تحرك الشارع الأردني الاحتجاجية والمطلبية الشعبية، والتحركات السياسية التي قادتها أحزاب وقوى سياسية تحت غطاء شعارات وطنية تبدأ  بإصلاحات للنظام السياسي والمطالبة بإلغاء اتفاقية وادي عربة التي وقعها الملك الراحل حسين والد الملك الحالي مع العدو الإسرائيلي بعدما تبين انها تضمنت بنوداً سرية تمس سيادة الأردن الوطنية والقومية .

   وانطلاقا من هذا الواقع تطرح عملية الكرك الإرهابية الكثير من علامات الاسئلة وترسم عشرات علامات الاستفهام حول اهدافها ومراميها الحقيقية؟ ومن المستفيد الحقيقي من ورائها.

   ومن دون ان نغفل حقيقة ان اختيار مدينة الكرك يحمل في طياته العديد من المعاني، أولها أن المدينة تعتبر مدينة عشيرة الكساسبة التي ينتمي إليها الطيار وان العملية تأتي انتقاما مباشرا من عشيرة الكساسبة،  وثانيها أن المدينة تعتبر من أكثر المدن السياحية التي يعتمد عليها النظام الأردني .

 

الحكومة العراقية فشلت في مواجهة الفساد فهل تنتصر في معركة الإرهاب؟؟.

    قبيل عامين تقريباً شكل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حكومته، تحت وطأة الضغط الجماهيري والشعبي المتأثر بظاهرة تفشي الفساد الذي ترافق مع انهيارات كبيرة في قدرات العراق الاقتصادية ، على الرغم من استعادته القدرة على إنتاج النفط وتصديره إلى العالم، وهو الذي يعتبر أهم ركائز وموارد الاقتصاد العراقي، ويومها أقدم رئيس الوزراء حيدر العبادي على خطوات جريئة طاولت جيش الموظفين والحاشية السياسية الملحقة بالزعماء والقادة، والذي شكل بدوره اكبر معضلة واجهت حكومة العبادي الذي نجح في المرحلة الأولى في إلغاء كثير من الوظائف والمراكز بما فيها نواب الرئيس ومستشاريه، مرورا بكثير من المراكز الحكومية الوزارات التي ثبت انها تشكل عاملا ضاغطا على كاهل الدولة ومواردها.

 إلا ان هذه المعركة التي لم يكتب لها الوصول إلى نتائجها المرجوة نتيجة ارتباطها بمراكز قوى اتضح انها لازالت تتمتع بقدرات وقوة تفوق كثيرا مايتمتع به رئيس الحكومة العبادي .

وهذا الامر وضع حكومة العبادي أمام  مأزق ومواجهة حقيقية مع الجمهور والشعب العراقي الذي منح الثقة والغطاء لها بغرض تخليصه من طغمة قبضت على مقدرات العراق بقضبة فولاذية تبين انه من  الصعب كسرها او على الاقل وقفها عند حدها.

ويبدو أن هذا الفشل المدوي أجبر حكومة العبادي إلى خوض معركة جديدة كان مقرراً لها ان تبدأ في المرحلة الثانية بعد معركة الفساد، وهي المعركة العسكرية والامنية، انطلاقا من استعادة مدينة الموصل، التي كانت قد سقطت في يد داعش بطريقة دراماتيكية مستغربة انهارت معها القوة العسكرية النظامية التي كانت تتحضر للبناء لاستعادة دورها الأصلي والطبيعي، والتي ادت الى استيلاء داعش على كميات من الأسلحة المتطورة والحديثة المستوردة من الولايات المتحدة الاميركية ضمن صفقة اعادة بناء وتسليح الجيش العراقي .

وقد بدأت عملية الموصل بتشريع  وجود الميليشيات من خلال قرار اتخذ في مجلس النواب العراقي على اساس ان هذه القوى ستكون عاملا مساعدا للجيش في معركته ضد داعش، الا انها  تحولت إلى عامل معيق ومكلف للحكومة وقواها المسلحة بعدما بدأت خوض معاركها الخاصة بعيدا عن مخططات الحكومة والقيادة المركزية وقراراتها، طبقا لأجندات وروزنامات لا ترتبط بمصالح الشعب العراقي وتطلعاته، اضافة الى ذلك شكلت هذه الميليشيات عبئاً لوجستياً وعسكرياً على الجيش العراقي المركزي من خلال استنفاذ قدراته العسكرية والتسليحية التي ذهبت باغلبيتها لهذه المليشيات شاءت الحكومة او رفضت، ويبدو أن هذا الواقع هو السبب الرئيس في تأخر حسم معركة الموصل الذي كان مخططا لها ان تنتهى وتحسم خلال ايام او اسابيع على ابعد تقدير وهي الان تدخل الشهور. فهل ستنجح الحكومة العراقية بحسم معركة الموصل او أن معركتها ستكون متشابهة مع نتائج معركة الفساد الخاسرة .

 

اليمن هل يعود سعيدا ومتي ؟

سنوات مرت من الصراع اليمني أكلت فيه الأخضر واليابس نتج عنها الكثير من الكوارث الإنسانية والتي خطط لها بعناية فائقة ثبت ان اليمن وكل امكانياته المتواضعة أصلا أعجز من التغلب عليها.

فالصراع في اليمن المستمر منذ أكثر من أربع سنوات وصل إلى درجة خطيرة تهدد مصيره وكيانه والتي قد يكون اعادة تقسيمه بين شمال وجنوب أهون الشرور، بما يعني هذا الامر من مخاطر على وحدة الشعب اليمني الذي سيكون في النهاية مجبراً على ادامة صراع يدفع ثمنها من امكانياته وحده .

ففي الوقت الذي يخوض فيه الرئيس اليمني الأسبق علي عبد صالح المتحالف مع مليشيات الحوثيين المدعومين من إيران معاركه لاستعادة حكمه المفقود كان للأسف من أوائل من توقع من بين الرؤساء العرب بموجة التغيير الإجباري ومتنبئاً بموجة ( حلاقة للأنظمة والعروش كما سماها في جلسة القمة العربية في بيروت قبيل أكثر من عشر سنوات والذي دعا فيه القادة العرب وبطريقة ساخرة بان يحلقوا لانفسهم بدلا من الحلق الإجباري(.

  وعلى الرغم من التدخلات العربية لانهاء الأزمة اليمنية من خلال التسويات والحوار والحلول السياسية التي فشلت في رأب الصدع والتي كان على رأسها مبادرات من دولة الإمارات العربية ووساطة من سلطة عمان وانتهاء بتعيين مندوب من الأمم المتحدة لإخراج التسوية وأي تسوية تنهي المأساة اليمنية ، ولكن للأسف كل هذه المبادرات لم تبلغ غاياتها المنشودة على الرغم من التوصل إلى بعض الحلول وإرساء أسس كانت لو نجحت لتشكل بوادر لحل الأزمة اليمنية والتي شارك فيها الرئيس اليمني عبدالله صالح الذي عاد وتنكر لها ومن بينها تقاسم السلطة والحوار وبناء مؤسسات وطنية جديدة وإعادة بناء الجيش الوطني .

وعلى الرغم من تدخل الدول العربية من خلال التحالف العربي الذي تألف لإنهاء الأزمة اليمنية حتى عبر الطريقة العسكرية والتي سميت بعاصفة الحزم التي توسعت رقعتها لتبلغ الى حد وضع المملكة العربية السعودية كقائد لهذا التحالف مع مواجهة مفتوحة مع إيران . والذي تطور بدوره الى صراع مفتوح تعدت مساحته الأرض اليمنية لتبلغ عمق الأرض السعودية نفسها وهو ما يهدد بحرب إقليمية قد تذكرنا بالحرب العراقية - الإيرانية في عهد الرئيس العراقي  الأسبق صدام حسين.

واليوم وبعد أعوام على إطلاق حملة ((اعادة الأمل لليمن)) على يد نفس الأطراف تبدو صورة اليمن قاتمة و حالكة  قد لا تنتهي في القريب المنظور ، لتستمر فيه الازمة اليمنية عاماً وراء عام ليبقى الشعب اليمني وحده هو الذي يدفع الثمن من تاريخه وماضيه وحاضره وربما مستقبله وهو يسأل متى يعود اليمن سعيداً.

 

ليبيا والسودان والقدر المحتوم

لم تكن الصورة في المغرب العربي أفضل حالاً من مثيلاتها في المشرق العربي الذي يبدو انه يسير نحو مجهول قاتم، لا يبدو انه سيبلغ النهاية في القريب العاجل .

فصورة السودان الذي عاد وانقسم على نفسه، بين شمال وجنوب لم يتخلص من ازماته على الرغم من التوصل إلى اتفاق سلام بين الشطرين بعد سنوات من الصراع الدموي، بل على العكس انتقلت الازمات المستعصية في السودان بشماله وجنوبه الى اطوار جديدة، عبر عنها بانتقال الصراع الى الداخل هذه المرة ولكل من الشطرين على حد سواء. وهو ما بات يتهدد بحروب اثنية وعرقية وطائفية ومذهبية وان غلفت بصراعات  بين سلطة مستبدة  ومعارضة مأجورة .

وفي ليبيا وعلى الرغم من النجاح في إسقاط نظام الرئيس معمر القذافي وقتله وإنهاء حكمه بصورة دموية، ليتفاجأ الشعب الليبي باندلاع معارك وحروب اخرى أفقدته الكثير من مقوماته ووحدته ووحدة أراضيه وهو يسير حالياً وبخطوات متسارعة نحو المجهول يبدو فيه التشطير أهون الشرّين.