لاشك بأن معركة تحرير مدينة الموصل العراقية، من أيدي مسلحي داعش تكتسب أهمية بالغة من المؤكد  انها سيكون لها الأثر الكبير في إعادة صياغة جغرافية وسكانية.
وهذا أمر يتوقف على نتائج هذه المعركة الحساسة والهامة لكل الأطراف المحليين  الدوليين، والتي سيكون لها تأثير بالغ ليس على المستوى العراقي ومستقبله الجيوسياسي وحسب، بل ستتعدى التأثيرات  وصولا الى رسم المعالم المستقبلية للمنطقة برمتها وهي المنطقة الممتدة من شمالي ايران الى جنوب تركيا وما بينهما من اراض عراقية وسورية شمالية ايضا، خصوصا وان مدينة الموصل التي شكلت وقتئذ اكثر من عامين وتحديدا منذ شهر حزيران من العام 2014، أحد أهم وأقوى الركائز الجغرافية والاقتصادية((لدولة)) داعش نظرا لموقعها الاستراتيجي أولا وامتلاكها اكبر ابار وحقول النفط واكثرها قدرة على الانتاج والتصدير، وهو ما شكل اهم الشريانات الحيوية ،نتيجة لاستغلالها باجراء عمليات تصدير للنفط عبر انابيب لم تصب باضرار بالغة على مدى السنوات الماضية ان كان عبر انابيب تصب على السواحل والمرافىء التركية او حتى قوافل النقل البرية العادية وهو ما يؤمن لداعش مردودا ماليا كبيرا كانت تتقاسمه مع تركيا المستفيد الثاني.
إلا ان المعركة المفصلية تأتي وسط خلافات مستترة حول أهداف ومقاصد المشاركين او الطامحبن للمشاركة بعملياتها الحربية، خصوصا وان التبريرات التي سيقت على ابواب المعركة النهائية لم تقنع الكثير من المراقبين ولا المتابعين لتفاصيلها، خصوصا بعدما طرح السؤال الذي دار حول التوقيت والاهداف المتوخاة من المعركة.
    ومن خلال النظرة الأولية للتطورات هناك نجد أن كل طرف من الأطراف ينطلق من حساباته الخاصة الذاتية وهو امر يطال أيضا حتى الحكومة العراقية المركزية التي ترى أن هذه المعركة فرصة للتملص من الضغوط الداخلية المتصاعدة منذ شهور والتي تسمح لها بتأجيل حملة محاربة الفساد التي بدأها رئيس الحكومة حيدر العبادي منذ اللحظة الأولى لخلافته للرئيس الأسبق نوري المالكي الذي كان ولا يزال الرمز الأول والمتهم الرئيس في كثير من الملفات المتعلقة بالفساد وإهدار المال العام المقدر بأكثر من 700 مليار دولا خلال فترة حكمه لوحدها .
   وهذه الحملة التي استطاعت بعض القوى وعلى رأسها  قوة المالكي نفسه من كبح جماحها وفرملة اندفاعها، بعدما تبين أنها وفي حال استمرارها ووصولها الى خواتيم سعيدة ستطيح برؤوس كبيرة ومن جميع التجمعات السياسية، وهذا التعطيل جعل حيدر العبادي في موقف محرج وضعه في موقع الضعيف وغير القادر على مواجهة حيتان المال والفساد المستشري وهو ما يعني بأنه غير قادر على تنفيذ وعوده التي أطلقها حول الإصلاح ووقف هدر الأموال ونهب الثروات، لتأتي معركة الموصل كطوق نجاة لحكومته التي تتمترس خلف الأولويات.
   وما الحديث والتركيز على الموعد المحدد المرتبط باقتراب فصل الشتاء الذي سيؤثر على حركة الجيوش والآليات المشاركة في المعركة، وهو توقيت تحاول الحكومة المركزية من خلاله فرض حقائق جديدة، من خلال إصرار الحكومة ورئيسها على عراقية المعركة مئة بالمئة، وبالتالي عدم السماح لأي قوة بخوضها إلى جانب القوات النظامية والمليشيات المساندة لها كالحشد الشعبي، وان دور القوى الاخرى يأتي في سياق المساهمة والمساعدة اللوجستية والاستخباراتية وتحديدا تلك المطلوبة من القوات الاميركية المتمركزة في العراق والتي لازالت تحتفظ في العراق بمئات الاف الجنود والاليات الفاعلة والقادرة. وهو امر يبدو انه يقف وراء رفض حيدر العبادي اي مشاركة تركية في معركة الموصل على الرغم بان اقتراح المشاركة قدم عبر الولايات المتحدة الاميركية والذي اكد عليه وزير الدفاع اشتون كارتر الذي زار العاصمة العراقية على عجل، واجتماعه الفوري مع العبادي الذي أصر أمامه على رفض العرض التركي، وهو امر دفعه الى زيارة لم تكن مقررة بالأصل إلى إقليم كردستان، تبدو حاليا وجهة أهدافها ومعانيها واضحة المعالم .
 وإذا كانت من جهتها تركيا تسعى للمشاركة في معركة الموصل انطلاقا"من رؤيتها الإستراتيجية والتي تعتبر نفسها معنية بمعركة الموصل أكثر من غيرها بما فيها الحكومة العراقية نفسها، انطلاقا من حسابات ومخططات تمتلكها أنقرة ترتكز بأن تحرير المدينة بالطريقة الحالية سيضع المدينة في حضن الاكراد الذين يبدو أنهم سيخرجون منها أكثر الأطراف انتصارا وفائدة، وهذا الامر دفع بالرئيس التركي الطيب رجب اردوغان بالتذكير بأن الموصل هي في الأصل  (ملك لنا) وموجها كلامه الى رئيس الحكومة العراقية ان كنتم لاتعلمون هذه الحقيقة ولاتصدقونها فعليكم بمراجعة التاريخ، وهذا التصريح الذي جاء في سياق رفضه مطالبة بلاده بعدم التقدم في سوريا، مصرا على ان الجيش التركي سيتقدم بالقوة حتى مدينة الباب الإستراتيجية لمنع إقصاء تركيا عن الساحة الملتهبة أولا، ولمنع وجود عناصر حزب العمال الكردستاني في كركوك، وهذا الكلام يوضح الموقف الحقيقي لتركيا وقادتها المنطلق من قناعة ان تحرير الموصل وتقديمها على طبق من فضة للأكراد سوف يساعدهم على ترجمة حلمهم إنشاء دولتهم الخاصة في لحظة تاريخية قد لا تتكرر ، كما يمنحهم قوة اقتصادية إضافية من خلال وجود إعداد كبيرة من الاكراد في المدينة ، وأيضا قدرة على رفع حصتهم من النفط الخام المستخرج من آبار المدينة (المحررة)، وهو مايساعدهم بالتالي على تكبير حجمهم ودورهم الإقليمي وهو ما يسعى اليه قادة الإقليم . الذين يسعون ومنذ فترة طويلة الى إعلان الاستقلال الكامل عن الحكومة والسلطة المركزية في العاصمة بغداد، بعدما تكون ملامح الدولة الحلم قد تكونت بالمعنى الجغرافي للكلمة وهو ما توفره الموصل ذات المساحة التي لايستهان بها.
أما من جهة الولايات المتحدة الاميركية والتي يبدو جليا ومؤكدا ان لها حسابات خاصة من خلال  مشاركتها في معركة الموصل، وهي تدرك بأنها هي نفسها من مكن داعش من السيطرة على المدينة تريد استعادة وديعتها من ايدي داعش، بعدما باتت تشعر الان ان السيطرة باتت  تفلت من ايديها، هذا من جهة ومن جهة ثانية تحاول الإدارة الأميركية وعلى ابواب الانتخابات الرئاسية والتي ستدخل مراحلها الحاسمة اعتبارا من الشهر المقبل وحتي كانون الثاني القادم وهو موعد دخول الرئيس او الرئيسة إلى البيت الأبيض، ولذلك تسعى وراء انجاز ما على جبهة الموصل ومسرح عملياتها الممتد في مختلف أرجاء المنطقة ومن باب محاربة الإرهاب مما يسمح لها بالإدعاء بأنها هي من قوض أركان دولة داعش في العراق التي أقيمت فعليا بعد احتلالها للموصل كما يعطيها فرصة الادعاء امام روسيا بانها شريكتها في محاربة الارهاب.
وهذه باختصار دوافع ومقاصد مشاركة كل طرف في معركة الموصل والتي تتلخص بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية بالاستفادة من عامل التوقيت والوقت والإنجاز، وبالنسبة للأكراد فهم يسعون الى ضم المدينة الى كانتونهم الموعود او حتى دولتهم التي يسعون اليها من خلال الاعتبار ان التوقيت الحالي يمكنهم من تحقيق حلمهم دون ضجة  او ردود فعل تذكر.
والهدف التركي الساعي إلى الحد من دور الاكراد في المنطقة والذي يعني تقويض ما يمكن ان يمنحهم عناصر قوة بدءا من شمال العراق حتى الجنوب التركي مرورا بشمال سوريا وإيران، وهذا بالضبط ما تحاول تركيا ان تقوله.
   وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل الدور الإيراني والسوري وحتى الروسي في معركة الموصل وأن كان بشكل غير مباشر او ميداني ان كان بدعم الحكومة العراقية المركزية، او لجهة الاستعداد للمشاركة الفعلية على الأرض في حال تطلب الأمر كذلك شرط التنسيق المسبق مع الحكومة. وهو أمر في حال حصوله سيجعل تأثيرهم وفعاليتهم تصل الى معظم الاراضي العراقية المهددة أصلا بتغيرات جيوسياسية لم تعد خافية وقائمة لا محالة.
وانطلاقا من الحقائق الآنفة الذكر يبدو ان معركة الموصل وبغض النظر عن نتائجها المرتقبة ستشكل لكل الافرقاء فرصة لإعادة الحسابات وإعادة تخطيط البرامج المستقبلية التي يبدو أنها قادمة على تغييرات لن يستطيع أحد منهم التنكر لها او تجاهلها وهي المرشحة ان تفجر خلافات وتناقضات ستحدد مصيرها معركة الموصل الدائرة الان والتي يبدو انها لن تنتهي بسهولة.