ما زال قرار المحكمة الاسرائيلية بتغيير موقع البؤرة الاستعمارية "عمون" قبل نهاية العام الجاري يثير الجدل في الشارع الاسرائيلي ونخبه السياسية. وكلما اقترب موعد تغيير الموقع، تصاعدت وتيرة النقاش، وامسى صوت المستعمرين واقرانهم وانصارهم في الاحزاب الصهيونية والكنيست اعلى واعلى للالتفاف على قرار المحكمة، الذي لا يطالب بازالة البؤرة بل بنقل موقعها على اراض اخرى من دولة فلسطين المحتلة عام 1967.

وتحول الجدل الدائر في الاوساط الاسرائيلية  إلى عرائض ورسائل من قبل وزراء ونواب الحزب الحاكم (الليكود)، حيث وقع جلهم (25) من اصل (30) اعضاء الكنيست ،الذين معظمهم من سكان المستعمرات على مذكرة للحكومة، يطالبون فيها بسن قانون لتشريع البؤر الاستعمارية كلها. وعدم نقل بؤرة "عمون"، وهو ما يكشف حجم التشابك بين الوزراء والنواب وتوجهات المستوطنين الاستعمارية، اي انهم يمثلون الحكومة والاستعمار الاستيطاني في آن. وحسب ما جاء في مذكرتهم التطهيرية العرقية، ان تقويض قرار المحكمة العليا، عملا يهدف إلى "منع التشويه الاخلاقي، الانساني والاجتماعي". اي افتراء على الحقيقة والتاريخ والاخلاق والقوانين والتشريعات الدولية أكثر فجورا واستعمارية مما يطرحه قادة الليكود بزعامة نتنياهو! . النتيجة ان الاستعمار الاستيطاني دخل وولج مرحلة نوعية جديدة في السيطرة على الارض الفلسطينية، بحيث تجاوز الابعاد الامنية والاقتصادية والدينية والسياسية إلى مرحلة بناء ركائز "اخلاقية" و"إنسانية" او كما وصف نتنياهو إدانة الاستعمار الاسرائيلي ب"التطهير العرقي"، قالبا كل المعايير والقيم السياسية والقانونية.  ورغم ان افتتاحية صحيفة "هآرتس" بتاريخ اول امس (الاثنين)، تدين منطق ورؤية وزراء ونواب الحزب الحاكم، التي يحددون فيها موقفا " لا يتعلق بإخلاء المستوطنات فحسب، وانما تقويض قرارات المحكمة والقانون على كل المستويات وفي كل المواقع، داخل الخط الاخضر وخارجه. إنهم يريدون منح "الاخلاق" الاستيطانية الجنائية مكانة قانونية تلزم كل مواطني إسرائيل." إلا انها تعتبر ان ما يسعون إليه، هو فرض "الاخلاق الاستيطانية الجنائية". وهو شكل من التجهيل والتضليل لاي مراقب سياسي. هل ما يجري عمل جنائي أم استعماري لنهب وتهويد ومصادرة الارض الفلسطينية؟ وهنا يلحظ المرء السقوط الصهيوني بمختلف مشاربه وخاصة اولئك، الذين يدعون انهم من انصار السلام، الذين لا يجرؤون على تسمية الاشياء بمسمياتها. او يهربون من مواجهة قوى اليمين واليمين المتطرف الاسرائيلي. او انهم يعكسون عبر مفاهيمهم ومصطلحاتهم المستخدمة في تصريحاتهم او كتاباتهم "قيم" المجتمع الكولونيالي الاقتلاعي الاجلائي والاحلالي. فالسيطرة على الارض الفلسطينية تندرج تحت معايير قانونية "جنائية" وليس عملية استعمارية سياسية. وهذه فضيحة ايضا.

وعلى صعيد آخر وفي ذات الاتجاه لتعميق العملية الاستعمارية، وجه المستعمرون رسالة لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، جاء فيها حول تغيير موقع البؤرة : إن" عمون تحولت إلى رمز للاستيطان. من جهة ليس لدينا ما نخسره، وكل بديل آخر باستثناء عمون ليس واردا في الحسبان". اي بمعنى ادق، انهم لن يتخلوا عن البؤرة ذاتها، واضافوا "لن يشترونا بالوعود الكاذبة، بالميزانيات او بالاغراء." وبالتالي خيارهم كما جاء في رسالتهم "سنتوجه إلى النضال العام والشعبي المحترم والقاسي، الذي سيوحد كل جمهور انصارنا في المستوطنات وخارجها." ليس هذا فحسب، بل انهم اعتبروا معركة "عمون"، أنها "ستكون هذه، هي معركة حياتنا على بيتنا".؟! بعيدا عما تحمله الفكرة من التزوير للحقائق وقلبها، فإن الاهم هنا، اللحظة الاتعطافية، التي بلغها الاستعمار الاستيطاني في الارض الفلسطينية، والكيفية، التي ينظر فيها القادة الاسرائيليون ومستعمروهم للارض الفلسطينية، باعتبارها "ارضهم، وان المشَّرع الاسرائيلي ما عليه سوى، ان يسن القوانين لتأبيد استعمارهم لفلسطين كلها. وينهي المستعمرون رسالتهم بتأكيد ما تقدم بالقول:" بعد (50) سنة من عودة (لاحظوا تعبير العودة وليس الاستعمار) شعب سرائيل إلى مناطق "وطنه" (بمعنى ما قامت عليه إسرائيل في اعقاب نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948، ليس سوى جزء من "الوطن" الاسرائيلي، وان ما تم احتلاله في الرابع من حزيران عام 1967، هو الاستكمال للجزء الآخر من "الوطن") آن آوان الحسم. نطالبك من خلال الشعور بالمسؤولية التاريخية، بسن قانون الترتيب (تشريع الاستعمار على الارض الفلسطينية المحتلة 67). انقذ عمون والاستيطان". وهو ما يعتقد ان نتنياهو سيأخذ به.

وحسب بعض التقديرات الاعلامية الاسرائيلية، فإن رئيس الوزراء بات يخشى على ا ئتلافه من الانهيار في حال نفذت حكومته قرار المحكمة بنقل البؤرة لمكان قريب. وبالتالي التقدير أن يتم تشريع "عمون" وباقي البؤر الاستعمارية وعددها يزيد على المئة، لان سياسة وايديولوجية الائتلاف الحاكم تقوم على ذلك. ونجحت في الانتخابات التشريعية الاخيرة إستنادا لبرنامج التطهير العرقي، الذي طرحته احزات وكتل الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم. وان حدث تنفيذ لقرار المحكمة، فإنه لا يعدو اكثر من مناورة تكتيكية مؤقتة، تهدف للسيطرة على اراض ومناطق فلسطينية اكبر وأكثر اهمية بالمعايير الاستراتيجية في المستقبل المنظور. والمضي قدما في السيطرة على الاراضي المحتلة عام 1967 كلها باستثناء مناطق متناثرة لمن يتبقى من اصحاب الارض الاصليين من الفلسطينيين.