الشعب الفلسطيني منذ تبلورت هويته الوطنية في خضم الدفاع عن الذات الجامعة، وعن الارض والجغرافيا الموحدة لكيانيته امام الحملات الاستعمارية المتعاقبة على مدار حقب التاريخ وحتى يوم الدنيا هذا، التي اسهمت في تكوين وتجسيد الشخصية الوطنية، والملامح الثقافية الخاصة، وهو يعكس وحدة نسيج ابنائه من مختلف الاديان السماوية والطوائف والمذاهب والفرق والمدارس الفكرية والسياسية. وفشلت كل المحاولات في تفتيت وحدة الارض والشعب، رغم الاحتلال الاسرائيلي والانقلاب الحمساوي. ولا يمكن لاي مراقب بما في ذلك داخل الاوساط الاسرائيلية، الحديث عن الشعب الفلسطيني دون الاقرار بوحدة ابنائه من اتباع الديانات والطوائف والفرق الوضعية المختلفة. مع ان إسرائيل وقواها السياسية والامنية والثقافية ما فتئت تعمل على تفتيت وشرذمة الشعب الفلسطيني، واستخدمت مبدأ "فرق تسد"، ولم تنجح. وحتى قوى الانقلاب الاسلاموية والجماعات التكفيرية، التي أنشبت مخالبها في جسد الشعب، ونجحت في انقلابها الاسود على مدار السنوات العشر الماضية، إلا انها فشلت في تحقيق المآرب القهرية الرجعية. مع انها قتلت بعد الانقلاب في قطاع غزة اواسط حزيران 2007 العديد من اتباع الديانة المسيحية، منهم الشهيد رامي عياد وغيره، وحرق جمعية الشبان المسيحية، وقصف دير ومدرسة اللاتين الكاثوليك في حارة الزيتون، وأجبرت امرأة وبناتها على تبني الدين الاسلامي ... إلخ من الجرائم، ومع ذلك لم تنجح في تحقيق ما ترمي اليه لا هي ولا التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ولا إسرائيل الاستعمارية ولا اميركا.
ولا يمكن رؤية التكوين الديمغرافي للشعب العربي الفلسطيني دون وجود ابناء الشعب من اتباع الديانة المسيحية. وكما قال الرئيس محمود عباس"المسيحيون الفلسطينيون، هم ملح الارض". وكما قال المرء في العديد المقالات ذات الصلة، كان السيد المسيح، عيسى ابن مريم عليه السلام، الشهيد الفلسطيني الاول، الذي صلبه اليهود او شُّبه لهم بانهم صلبوه. وهو ولد لام فلسطينية، وترعرع في فلسطين، ونشر اول ما نشر تعاليم دعوته لديانته المسيحية (العهد الجديد) في فلسطين، واقيمت اهم واعظم كنائس الارض المسيحية في الناصرة البشارة، وفي بيت لحم المهد، وفي القدس القيامة وغيرها من الكنائس ذات القيمة والمكانة التاريخية. بالتالي لا يمكن الحديث عن فلسطين، دون الحديث عن المسيحية والمسيحيين. ولا تكون فلسطين دون كنائسها ومسيحييها. وهذا لا ينتقص من الدين الاسلامي ومكانة المسلمين ولا من مكانة اليهود السمرة واتباع الفرق والمدارس الوضعية الاخرى. ففلسطين كانت، وتكون دائما اجمل واروع واكثر متانة وقوة بوحدة ابنائها ونسيجهم الاجتماعي والوطني والثقافي.
ولا مجال لأحد الانتقاص من قيمة ومكانة ابناء الشعب الفلسطيني من المسيحيين بهذه الكلمة أو تلك. الكلمة مسؤولية. والكلمة موقف. والشعب الفلسطيني كان وسيبقي واحدا وموحدا بكل مكوناته الدينية والسياسية الفكرية. كما ستبقى الارض الفلسطينية واحدة، تحمل روايتها من جيل إلى جيل لتعمق وتجذر عملية الانتماء لها وللشعب الفلسطيني. ولا بد من الاعتذار
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها