الانتخابات احد اشكال وممارسات العملية الديمقراطية. وهي شرط التداول السلمي للسلطة بين القوى المتنافسة، وعبرها يتم حماية السلم الاهلي، وتحول دون السيطرة الديكتاتورية، وتؤمن حرية الرأي والرأي الاخر عبر المنافسة المشروعة بين القوى وبرمجها المختلفة، وبالتالي تجسد إرادة الشعب من خلال إنتخاب الهيئات السياسية والتشريعية والادارية الخدماتية.
غير ان الانتخابات وضوابطها تختلف من بلد لآخر إرتباطا بطبيعة النظام السياسي واجتهادات مشرعيه في طريقة واسلوب واليات تحقيق العملية الانتخابية، والنظام الانتخابي الناظم المعمول به، إن كان نظاما إنتخابيا يرتكز على القائمة النسبية او الدوائر او النظام المختلط، وتأثير المجتمع وتطوره السياسي والاقتصادي والثقافي على تشكيل القوائم. وبطبيعة الحال الانتخابات التشريعية تختلف نسبيا عن إنتخابات المجالس المحلية والبلدية او النقابات والاتحادات الشعبية.
من حيث المبدأ الانتخابات تشكل حالة نهوض بالمجتمع الفلسطيني او اي مجتمع، غير ان الشروط السياسية عادة ما تحول دون إجراء الانتخابات، ليس رفضا للانتخابات، لاسباب موضوعية او ذاتية، منها اولا حالة الحرب إن كانت خارجية او اهلية؛ ثانيا لحماية وحدة الشعب؛ ثالثا لقطع الطريق على القوى المتناقضة مع المصالح العليا للمجتمع. مع ذلك تبقى طريق الانتخابات الاسلم والاضمن لصيانة مجتمع من المجتمعات. لان القوة السياسية او الاجتماعية، التي تخشى الانتخابات، فهي لا تستحق إستلام زمام الامور على اي مستوى من المستويات.
لكن الانظمة البوليسية والديكتاتورية لا تقبل القسمة على الانتخابات، وان سمحت باجراءها، فهي تجريها وفق معاييرها وحساباتها، وبما يضمن "تشريع" حكمها، والتلحف بغطاء ممزق. وعموما تجربة العالم الثالث في الانتخابات ليست إيجابية، وتعاني من نواقص عديدة في بناء ومركبات النظام الانتخابي. إلآ ان ممارسة العملية الانتخابية وتثبيت التقاليد الديمقراطية يساهم في التأصيل للابعاد الايجابية، ويعمق الخيار الديمقراطي، ويساعد المجتمعات في الانتقال من الحالة العشائرية إلى دخول المرحلة المدنية ولو بعد حين.
الانتخابات البلدية الفلسطينية العديد من القوى الداخلية والخارجية شكك في نجاحها ونتائجها. لكن إصرار القيادة الشرعية ممثلة بشخص الرئيس ابو مازن واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح على خوضها يعكس التالي: اولا تثبيت العملية الانتخابية كاساس لتجديد الشرعيات في المجالس البلدية؛ ثانيا تكريس الخيار الديمقراطي في الحياة الفلسطينية بما في ذلك الجناح الجنوبي من الوطن، رغم وجود الانقلاب الحمساوي؛ ثالثا إجراء الانتخابات البلدية لا يمنح الانقلاب او مؤسساته الشرعية، لان الانتخابات هي النقيض للانقلاب وإفرازاته؛ رابعا حتى في حال نجاح بعض قوائم او انصار حركة حماس الانقلابية، لا يعني بحال من الاحوال القبول بالانقلاب، بل الهدف التأكيد للشعب والقوى السياسية وخاصة قادة الانقلاب الاسود، ان الانتخابات، هي الطريق الامثل والانسب لارادة الشعب، وهي المدخل الاسلم لتمثيل الشعب؛ خامسا من المؤكد هناك خشية من تدخل ميليشيات حركة حماس في قطاع غزة بنتائج الانتخابات عبر التزوير او التأثير على مجرى العملية الانتخابية عبر الاستدعاءات والاعتقالات او التهديد بالقتل او غير ذلك من الانتهاكات للقانون والنظام الاساسي. غير ان ذلك لا يجوز ان يحول دون العملية الانتخابية، لتكريسها اساسا ناظما لحياة المجتمع الفلسطيني؛ سادسا الانتخابات تشكل الجسر الطبيعي لتعزيز عملية المصالحة، وإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية.
الثقة بالشعب وقواه الحية بالضرورة ستلعب دورا مهما في إنجاح القوائم الوطنية، وممثليها الحقيقيين. لان الشعب إكتشف بالتجربة الحية الفرق الشاسع بين قوى الشرعية الوطنية وخيار الانقلاب الامارة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها