نُتَف من التخوينات
واليكم نُتف من التكفيرات والتخوينات، في فلسطين، ونتساءل لماذا كل ما يحدث اليوم من تحريض مستمر ضد الأجهزة الأمنية أفعلت خيرا أم أخطأت؟
يقول عطا الله أبو السبح من قادة حماس عام 2011 أن السلطة تقوم بـ (إخراس البنادق وزج المقاومين في داخل سجونها المجرمة)، مضيفا ان ذلك يتم (من خلال التنسيق الأمني الخياني)؟!! وداعيا الشعب في الضفة للانقلاب على السلطة جهارا نهارا حيث يقول (يجب أن يهب شعبنا في الضفة الغربية ضد السلطة التعسفية الظالمة المجرمة)؟! وهل في ذلك ما هو أوضح وأكثر حقدا وتحريضا من ذلك.
وفي ذات العام ومن على فضائية أقصى في شهر11/2011 يقول مروان أبو راس من قادة حماس-غزة إن السلطة غير فلسطينية! حيث صرح بكل جرأة أن (الكارثة الكبرى) هي (التي تقوم بها السلطة الفلسطينية وبالمناسبة هي ليست فلسطينية)؟!! مضيفا أنه على (محمود عباس أن يعيد حساباته وعلى رئيس حكومته ان يحمل أمتعته ويرحل)، ثم يتمادى المفتي أبو راس في غيّه إذ يقول ان السلطة (تبيع المساجد والأقصى لأجل السهر في تل أبيب)؟! مضيفا أن (المقاومة موجودة في الضفة ولكن يتآمر عليها فكا الكماشة الأجهزة الأمنية التابعة لعباس والتابعة لحكومته، والأجهزة الأمنية الصهيونية)؟! ومتهكما ومحرضا يقول ان عباس (حتى ان انتفاضة الطناجر لم يقم بها)؟! ثم يتعمق مقررا أن (الشعب الفلسطيني لا يستطيع أن يتحمل .. التواطؤ من قبل هذه الأجهزة)؟! مضيفا ان (الحكومة التي ربطت مصيرها بالاحتلال سيكون زوالها أسرع من زوال الاحتلال)!
وعودة الى أبو السبح فإنه يختم حديثه كما أسلفنا بالقول (يجب أن يهب شعبنا بالضفة الغربية وان يقول لا لهذه الإجراءات الخيانية التعسفية الظالمة المجرمة).
أما د.محمود الزهّار من قادة حماس كمثال بسيط وقريب فإنه يقول محرضا بشكل مسف بشهر 8 عام 2016 لمراسل وكالة أنباء فارس الايرانية: أن الرئيس عباس جزء من المشروع الغربي "ومهمته تكسير كل حركة إسلامية أو دولة إسلامية سواءً كانت سنية أو شيعية، العدو عندهم ليس المذهب، وإنما الإسلام". ليتابع الزهار حديثه: "ولذلك تلتقي هذه العصابات أو الشخصيات العميلة للغرب، في أي لحظة، وأي مكان، بأوامر من أسيادهم لينسقوا خطواتهم"!
ويقول صلاح البردويل في 16/2/2016 على قناة "حماس" التي تبث من غزة (الاجهزة الامنية وقيادة السلطة في رام الله ليس بمقدورها حماية المواطنين وليس ايضا بعقيدتها الامنية ان تحمي المواطنين فهي بعقيدتها الامنية ان تحمي الاحتلال)!
وفي ذكرى النكبة 68 يفاجئنا صلاح البردويل أيضا مخاطبا الرئيس أبومازن أنت (تخرج أو تختم حياتك وقد تركت الضفة ملغومة بالمستوطنات والقدس تهود، وقوات فلسطينية تحمي أمن الاحتلال، فماذا فعلت بالقضية الفلسطينية؟ أنت دمرتها من ثم رشوة لـ"صبية الطائف" ليهجموا على كل قيمة نبيلة). مضيفا على قناة التحريض المتخصصة التابعة لحماس-غزة (انت "عباس"متهم بالرشوة وبالتنازل ومتهم بالدكتاتورية ومتهم بتسمين المستوطنات آن الأوان ليكون هناك بديل وطني.) أي أن الرئيس ليس وطنيا كما الأجهزة الامنية وكل المخالفين.
وهذه النماذج البسيطة ما هي الا غيض من فيض من مئات التصريحات التحريضية (والأفعال) التي لم تتوقف مطلقا في الاعلام والمنابر والمساجد والاجتماعات من سنين، رغم كل الاتفاقيات بين حركة فتح وحماس والفصائل، وخاصة اتفاق العام 2011، بل ومنذ المفاوضات بينهما منذ العام 2006 في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وما هو أشد منها في التعبئة الداخلية والتربية التنظيمية داخل حماس، ونتحدث نحن عن آليات وقف التحريض ضد الأجهزة الامنية؟ كيف يستقيم ذلك؟
الخطاب التحريضي التربوي
إن كل الخطاب التحريضي المذكور أعلاه ضد المخالفين وضد الامن الفلسطيني الذي يتبارى في الجهر به العديد من قيادت "حماس" الدينية والسياسية (وان كان الخلط متعمدا ومقصودا) خطاب لا يستقيم مطلقا في دولة تسعى لجعل القانون والديمقراطية والدولة المدنية التي لا تميز بين مواطنيها حقيقة واقعة.
إن التخلص من الخطاب التربوي الداخلي والتحريضي والاعلامي هو في البداية بمنع اعتلاء منابر المساجد في غزة وغيرها من قبل القادة السياسيين من كل الأحزاب، بل ومعاقبته فمن يفعل ذلك يشوه عقيدة المسلمين بأخلاط فكره وفهمه (أو فكر وفهم حزبه الاسلاموي) الانساني السياسي المتغير.
وإن كانت غزة قد تسربلت مساجدها بقيود "حماس" للأسف، وتم استغلاها سياسيا وحزبيا ضمن غلاف العقيدة فإن الخطورة تقع لدى المصلي المستمع في ربطه بين المنبر الديني العقدي الثابت وما يعرض عليه من رأي أو موقف سياسي متغير لشخص أو فصيل، يصبح بنفس احترام وقداسة النص الديني ما هو مقصود أصلا بالسيطرة على المساجد.
اسلاميون ضد تسييس المساجد
عن الغزو الحزبي- السياسي- الديني للمساجد (في مشرق الامة ومغربها من الفصائل الاسلاموية) هو ما دعا الشيخ راشد الغنوشي في مؤتمر حزب النهضة التونسي هذا العام لأن يخطب جهرا قائلا اننا تنظيم وطني تونسي ونحن مسلمون ديمقراطيون، رافضا كليا صفة "الاسلامي" الانتقائية والمحيرة، فكل مسلم – كما أقول أنا- هو اسلامي بغض النظر عن درجة اقترابه من العبادات وبغض النظر عن رأيه السياسي، والغنوشي ذاته من أعلن جهارا نهارا فك الصلة بين الحزبي-السياسي وبين الدعوي-الديني، وهو أيضا صرح بجلاء بضرورة إبعاد المساجد عن الاحزاب والسياسة وهنا تكمن البداية ما لا أراه قريبا في عقلية الاخوان المسلمين المشارقة وفي غالب قيادات "حماس" فرع غزة تخصيصا.
كيف نتخلص من الخطاب التحريضي؟
إن وقف التحريض المستمر ضد الأجهزة الامنية وضد المخالفين عامة (من الجميع وخاصة من قبل التنظيمات الاسلاموية) حيث الربط الثلاثي بين التشويه والتكفير والتخوين يجب أن يصبح سياسة وطنية عامة يعاقب مرتكب إثمها وفق القانون، فكيف نكون في وطن واحد ونحن نعتلي المنابر لنخوّن او نطعن أو نكفّر فلانا أو التنظيم العلاني، وأمامنا الحديث الشريف (ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا الفاحش ولا البذيء) وامامنا الدستور أو القانون يحكمنا.
إن في التعليم والثقافة والتربية من المدارس وفي المؤسسات وفي البيت على الثقافة الديمقراطية (التي يرفضها المفتي يونس الأسطل بوضوح) وعلى ثقافة احترام الآخر وعلى قيم وأخلاق المحبة والتسامح، وعلى احترام الرأي المخالف يكون من عندها نقطة البداية الصحيحة في تغيير المجتمع والفصائل، وتوجيه قدراته نحو العمل والعطاء والابداع، ونحو مقاومة المحتل، مع استمرار نقد السلوكيات التسلطية والديكتاتورية وانعدام العدالة والظلم قطعا من أي طرف كانت، لا التجاذب الممض وفق الرأي والرأي المشاكس.
اشكالية الخطاب التنويري ومنه الاسلامي المستنير تأتي من ثلاث قضايا الأولى هي الأرضية التراثية الماضوية التي تحكم عقلية المسلمين عامة والتي تعانقت عبر السنين لتتماهى مع الخطاب الاخواني-القطبي والسلفي- القتالي الذي كرس مفاهيم تحصر الفكرة المطلقة المقدسة بجماعاتهم وشخوصهم وطريقة فهمهم فسيطروا على عقول كثير من الناس لا سيما وتداخلهم في المناهج التربوية بالمدارس عامة منذ الصغر .
وثانيا ارتباط الخطاب التنويري عبر السنوات بأنه مناهض "للاسلام" لمجرد مناهضته لهذا التنظيم أو ذاك الفهم أو تينك الشخص، وغني عن القول إن هذا الخطاب التنويري التقدمي ارتبط العداء لديه في مرحلة سابقة - او عند الكثيرين منهم- بالربط المغلوط بين الإسلام والأحزاب الاسلاموية فناهضوا الطرفين دون فصل، فسفهتهم التنظيمات الاسلاموية: فهم الكفار والعلمانيون ونحن فسطاط الحق.
أما ثالثا فنحن لا يمكن أن ننكر دور الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ودور التسلط والاستبداد للحكام، ولأسباب سقوط الأفكار الكبرى من شيوعية وقومية عنصرية، وحاجة الناس لأمل، ولا ننكر دور انعدام العدالة الاجتماعية وتسفيه دور المرأة، ودور الإعلام السلفي الماضوي الخرافي. لا ننكر دور كل هذه العوامل في تقوية البديل الاسلاموي المتطرف، وإضعاف التنويري حتى الإسلامي المستنير منه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها