حصل في الايام الأخيرة جدل ولغط كبيران حول زيارة وفد إسرائيلي من حزبي "الليكود" و"شاس" إلى مقر منظمة التحرير واللقاء الذي نظم هناك مع قيادات فلسطينية منها ياسر عبدربه ونبيل شعت ومحمد المدني، وأيضاً حول لقاء سياسي لي عقد في الكنيست الإسرائيلية، وظهرت حملة واسعة على صفحات الفيسبوك وفي وسائل الاعلام ضد التطبيع والمطبعين وقيل فيها أشياء كثيرة منها اتهامات ببيع القضية والتجريم وحتى التخوين. وقد وجدت أن المناسب معالجة هذا الموضوع بالكتابة لخلق نقاش هادئ وبناء حول الموضوع لعل الكل الفلسطيني يتوصل إلى تفاهم أو اتفاق عليه، وان كان ذلك يبدو ضرباً من ضروب اللامعقول في ساحتنا.

قبل التطرق إلى حيثيات ما حصل ومغزاه السياسي، لابد من ذكر بعض الحقائق التي يعلمها البعض ويتجاهلها عمداً ولا يعلمها آخرون. الأولى هي تشكيل لجنة بقرار من القيادة الفلسطينية(قيادة منظمة التحرير) في اجتماعها في 4 كانون الأول(ديسمبر) من العام الماضي للتواصل مع المجتمع الإسرائيلي تضم في عضويتها اثنين من أعضاء اللجنة المركزية لحركة"فتح" واثنين من أعضاء اللجنة التنفيذية وأمين عام فصيل من فصائل المنظمة وشخصية عامة أخرى(رجل أعمال) ، وذلك بهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي خصوصاً في مرحلة ما بعد الإعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة. وقام أعضاء من اللجنة بالاستعانة بعدد كبير جداً من الشخصيات الفلسطينية في مختلف المجالات ببحث موضوع عمل اللجنة من حيث الأهداف وآليات العمل والجمهور المستهدف وما هو المسموح والممنوع في اللقاءات مع الإسرائيليين. وتم وضع ورقة عمل تتضمن كل هذه الاشياء مع التأكيد على أن عمل اللجنة هو في أطار الكفاح على جبهة الرأي العام الإسرائيلي المضلل والذي يخضع لتأثيرات الأكاذيب التي يروجها المسؤولون الإسرائيليون حول ملف الصراع ومواقف الطرفين. وتم الاتفاق في اللجنة على رفض اللقاءات التي تحمل طابعاً تطبيعياً وفق فهم اللجنة على غرار ما كان يحدث في السابق مثل برنامج "شعب لشعب" او لقاءات قطاعية او غيرها التي تظهر وكأنه لا يوجد احتلال او مشكلة مع الجانب الاسرائيلي.وأن التركيز ينبغي أن يكون على نشطاء الاحزاب السياسية والجمهور العادي وخاصة من الذين لا يعرفون الموقف الفلسطيني او موقفهم غير مؤيد بهدف احداث تغيير لديهم وخلق قاعدة لتغيير موقف الحكومة الاسرائيلية الرافض للتسوية السياسية على أساس حل الدولتين لشعبين ، وعلى اساس قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام.

كما عقدت اللجنة والطاقم المساند لها لقاءات عديدة مع اسرائيليين من مختلف القطاعات وتواصل عملها بامكانيات تكاد تكون معدومة وتعتمد على تطوع المبادرين الى تنظيم اللقاءات ، ويمكن القول أن اختراقاً قد حصل في الساحة الحزبية الاسرائيلية وخاصة من الوسط ويمين الوسط لصالح تأييد حل الدولتين كما نفهمه، وهناك اليوم كتلة تضم اربعين عضو كنيست تؤيد التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين على اساس مبدأ حل الدولتين، ولأول مرة منذ ما قبل الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة يفرض الوضع السياسي نفسه على الاجندة الاسرائيلية بعدما كان غائباً تماماً في الانتخابات العامة التي جرت مؤخراً. ويأتي اللقاء الذي نظم في مقر منظمة التحرير في سياق هذا التطور الايجابي الذي ينبغي البناء عليه. أما اللقاء في الكنيست الذي حضرته شخصياً فقد جاء بدعوة من منظمة مؤيدة للسلام وكان منبراً مهماً لاسماع صوتنا وموقفنا أمام 28 عضو كنيست من ست كتل برلمانية وأمام جمهور من النشطاء السياسيين وأمام كل وسائل الاعلام في إسرائيل، وهذه كانت فرصة لفضح اكاذيب نتنياهو بأنه يرغب في المفاوضات وأن الرئيس ابو مازن هو المعطل لها . ومجمل الكلمات التي قيلت هناك كانت تؤكد على ما قلناه من تكذيب لنتنياهو ومن ضرورة الاسراع في التسوية السياسية على اسا حل الدولتين وعلى قاعدة اقدام إسرائيل على خطوات تثبت انها جادة في هذا المسعى وخاصة إطلاق سراح الأسرى ووقف البناء في المستوطنات.

من الطبيعي والمنطقي أن يدور جدل مثلاً حول مدى جدوى وأهمية اللقاءات مع الإسرائيليين ، وهل يجب ان نناضل على الساحة الإسرائيلية باعتبارها ساحة كفاح رئيسية أم لا، وهل قرار القيادة في محله أم لا؟ ولكن أن توصم اللقاءات بالتطبيع والتخريب وأحياناً الخيانة فهذا غير معقول ليس فقط لأن كل هذا الجهد يأتي بالانسجام مع موقف وقرار القيادة ، بل أيضاً لأن هناك خلطا متعمدا ومقصودا بين عمل مطلوب فلسطينياً حسب اجتهاد وموقف القيادة وبين التطبيع الذي لم يعد أحد يفهم مضمونه ومغزاه. فهذه الكلمة العامة غير المحددة تجعل كل من هب ودب يكيل اتهامات ويقرر مصير ناس . مع أننا من المفروض ان نكون قد تجاوزنا مرحلة أن يمتلك شخص او مجموعة دون غيرهم ناصية الحقيقة. وهذا يذكرنا بمراحل نضالنا المختلفة التي كان الراي المخالف يعتبر فيه خيانة والاجتهاد جريمة وبعض اشكال النضال تافهة ولا قيمة لها. والغريب هو قيام بعض القيادات بالهجوم والانتقاد مع انهم يعلمون بأن ما جرى ويجري بعلم ومباركة القيادة العليا والرئيس أبو مازن شخصياً.

نحن الآن في زمن آخر وفي مكان آخر ينبغي فيهما البحث المعمق فيما نقوم به من زاوية خدمة القضية أو الإضرار بها وليس من زاوية إذا ما كان هذا الموقف يروق لفلان أو علان.وما دار في الايام الأخيرة لا يجري حله بالهجوم الشخصي على هذا الشخص أو ذاك بل في نقاش موضوعي وعقلاني، والقرار في نهاية المطاف لدى القيادة وليس لدى اي شخص أو مجموعة بعينها، فإذا كان ما نقوم به مضر ولا يتوافق مع الموقف الوطني فلتتخذ القيادة قرار بوقفه ومن لا يلتزم يتحمل مسؤولية شخصية في ذلك.