إذا لم يفهم الشعب العربي الفلسطيني حقيقة التطورات الداخلية الإسرائيلية، لن يتمكن مشروعه الوطني الديمقراطي، من هزيمة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي الصهيوني، وإذا لم نفهم نحن الأردنيين والعرب والمسلمين والمسيحيين حقيقة التحولات نحو الأكثر يمينية، والأكثر رجعية، والأكثر عنصرية في بنية المجتمع اليهودي الإسرائيلي، لن نستطيع خدمة ودعم الشعب الفلسطيني، وإسناده حتى يستعيد حقوقه الثلاثة الكاملة غير المنقوصة في المساواة والاستقلال والعودة .
ليدقق أولئك الذين ينشغلون في “ اللهم “ الفلسطيني وبمعاناة الشعب المعذب، ليدققوا بما كتبه الصحفي الإسرائيلي آري شبيط يوم 11/8/2016، في قراءة له، عبر الصحيفة العبرية هأرتس أقتطع منها العبارات التالية، بعد أن يصف نفسه على أنه “ يهودي إسرائيلي، غير متدين وغير قومي متطرف “ فهو يرى أن : “ تأييد المعسكر القومي أكبر بثلاثة أضعاف معسكر السلام “ و “ نجح إرث الحاخام تسفي يهود كوهين كوك في السيطرة بدرجة كبيرة على دولة إسرائيل “ و هي تمثل “ نخبة وحيدة تقريباً ورموزها القبعة المسيطرة “ ويخلص إلى نتيجة أن “ النخبة التي يمثلها نفتالي بينيت ( مستوطن متطرف ويشغل موقع وزير التربية ورئيس حزب البيت اليهودي ) قامت بالعمل التربوي والتنظيمي والسياسي المنظم والممنهج، بينما النخبة التي جاء منها هيرتسوغ ( رئيس حزب العمل ) لم تعد تفكر، لم تعد تقود ولم تعد نخبة، ما يميزها هو قلة التفكير وغياب العمل وضعف الروح، هكذا وصلت إلى عدد المقاعد البائسة في عضوية البرلمان، وهكذا تحولت إلى أقلية صغيرة ليست ذات صلة، وهكذا تم تجنيد الدولة، دون معركة إلى مؤمني أرض إسرائيل الكاملة “ .
إذن هناك تحولات جوهرية ملموسة معلنة لدى المجتمع الإسرائيلي المتفوق، خطرة توسعية وعنصرية، لا يضاهيها ولا يتفوق عليها سوى تطرف تنظيمي داعش والقاعدة في الجانب العربي الإسلامي، مما يضع كل الذين يؤمنون بحق فلسطين بالحياة والوجود، وبحق اللاجئين في العودة إلى بلدهم وإستعادة ممتلكاتهم في اللد ويافا والرملة وحيفا وبئر السبع وصفد، وأن يعيش الفلسطينيون على أرض وطنهم الذي لا وطن لهم سواه بكرامة على أساس المساواة في مناطق الـ 48، وعلى قاعدة الحرية والأستقلال في مناطق الـ 67، يضعهم أمام التحدي لمواجهة فكر وسلوك وإجراءات المشروع الاستعماري الإسرائيلي، والعمل على تراجعه على طريق هزيمته .
لم يعد الرهان على التسوية مع الإسرائيليين في ظل هذه المعطيات قائماً وواقعياً، إنه محاولة للهروب من التفكير الجدي، وعدم القدرة على التوصل إلى جواب عن السؤال ما العمل ؟ وما هو البرنامج العملي الواقعي الكفيل بردع الأحتلال والتوسع والعنصرية، والكفيل بجعل النضال الفلسطيني ذا جدوى ومؤثر يحقق الهدف المرجو والمطلوب بتحقيق المساواة والأستقلال والعودة، وأن لا تذهب تضحيات الفلسطينيين بلا جدوى وبلا قيمة، وسقوط الشهداء مجرد أرقام لبشر نفتقدهم مثلهم مثل ضحايا العمليات المجرمة التي تنفذها القاعدة وداعش في سوريا والعراق، وفي اليمن ومصر وليبيا والصومال .
المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، بحاجة لبرنامج يجمع الناس والفصائل، يقوم على التوافق الوطني والشراكة السياسية لجعل الكل الفلسطيني في خندق واحد موحد يتحد على البرنامج ووفق أدوات كفاحية متفق عليها، لا ينفرد أحد بأداة دون الآخرين، سواء عمليات أو مفاوضات أو غيرها قد تكون مؤذية، مهما بلغت من دوافع الأخلاص والتفاني، فالتطرف الإسرائيلي ذو حدين فهو خادم للتطرف ويسبب المعاناة الزائدة للفلسطينيين ولكنه في نفس الوقت يضع الإسرائيليين في مواجهة المجتمع الأنساني، ويهزمهم أخلاقياً ويعري برنامجهم ويفقده شرعية وجوده وإستمراريته .
لم يعد معسكر السلام والتسوية والتعايش الإسرائيلي قائماً، بل القوة والهيمنة لمعسكر التطرف والعنصرية والتدين المتزمت الذي يسيطر على إدارة وحكومة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي في تل أبيب، وهذا يعني أن ثمة إسرائيليين متضررين يمكن الأستفادة منهم والتحالف معهم والعمل المشترك مع أحزابهم وقياداتهم وفق جداول وبرامج وأجندات مرحلية مهما بلغ تواضع إمكاناتهم طالما هم من المتضررين من سياسات اليمين القومي والديني المتطرف الإسرائيلي، فالتطرف الإسرائيلي بقدر ما هو مؤذي وضار للشعب العربي الفلسطيني، بقدر ما هو خسارة للإسرائيليين، لأنه يدفعهم نحو مواقع منبوذة أمام المجتمع الدولي، الذي سبق وأن تعاطف معهم بسبب ما تعرض له اليهود من مذابح على أيدي النازيين، وأنقلب الوضع الأن كي يمارس التطرف الإسرائيلي أفعاله بحق الفلسطينيين بما يشبه الفعل النازي والفاشيين، ومثلهم وفي الدرك الأسفل من الحضور السياسي
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها