خاص مجلة "القدس" العدد 336 نيسان 2017
بقلم: رفعت شناعة
أن يقوم ما يزيد عن ألف وثمانمائة أسير فلسطيني بإعلان الاضراب عن الطعام ابتداءً من 17/4/2017، وبقيادة القائد المناضل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مروان البرغوثي (أبو القسام) فهذا حدثٌ فلسطينيٌ تاريخيٌ يؤسس لمعطيات وإنجازات بارزة واستراتيجية على صعيد الكفاح الوطني الفلسطيني.
معركة أسرى الحرية هي استجابة واضحة لمجموعة من القضايا الوطنية الساخنة، والتي بات بعضها يشِّكل منعطفاتٍ خطيرةً في مسيرة العمل الوطني الفلسطيني.
لم يكن الدافع الشخصي والمكاسب الذاتية هي الهدف الأساس، وإنما هناك مجموعة قضايا باتت تشغل بالهم، وتضعف موقفهم، وأبرز هذه القضايا وأخطرها هو الانقسام الذي أدى إلى سلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية، وأثَّر سلباً على العلاقات الوطنية الداخلية، وتعطَّلت مسيرة الحياة الديمقراطية الفلسطينية، وتبع ذلك أزمات خانقة على كافة الأصعدة. وهذا ما أقضَّ مضاجع الأسرى في معتقلاتهم وزنازينهم، وهم الذين سبق لهم في العام 2006 أن قدّموا وثيقة الأسرى لتحصين الساحة الفلسطينية. ولأن الأزمات والمناكفات تفاقمت وتجاوزت الحدود المرسومة لها، وأصبحنا على شفا حفرة، ولأننا نحن الذين نتمتع بالحرية عجزنا عن معالجة واقعنا المأزوم والمتردي، وراحت تتشفّى بنا أراذل البشر، لم نجد معيناً وفياً لنا إلاّ أسرانا الأبطال أطلوا برؤوسهم من نوافذ المعتقلات، وبأبصارهم من شقوق الزنازين ليقولوا لنا نحن جنود فلسطين، نحن فداء شعبنا وأهلنا، عُضُّوا على الجراح فالنصر قريب.
هناك علاقة جدلية بين معركتنا ومعركة الأسرى، بين معركة الاستقلال ومعركة الحرية. ولذلك نحن لا نستغرب عندما نجد الاحتلال الصهيوني يجنِّد كلَّ طاقاته السياسية والاعلامية والأمنية وخطواتهِ القمعية لكسر إرادة المعتقلين المضربين عن الطعام، ووصفهم بالارهابيين، والتشكيك بجدوى وتأثير هذا الاضراب.
إنَّ الاحتلال الصهيوني يدرك مخاطر وأهمية إنتصار الأسرى في معركتهم، ولذلك هو يمارس عليهم ضغوطات هائلةً جسدية ونفسية حتى لا يسمح لهم بالتقاط أنفاسهم ومتابعة تصديهم للقمع الصهيوني. فإنتصار الأسرى يعني إنتصارنا، وتعزيز مكانتنا ومطالبنا وثوابتنا الوطنية والسياسية.
ومن هنا تأتي أهمية التكامل والتقاطع في الأهداف والأفكار لأن الاحتلال هو سبب مأساتنا، ونكبتنا، وحرماننا من أبسط حقوقنا كبشر.
في الواقع كان المفترض بنا نحن الذين نعيش خارج المعتقلات أن نخوض معركة تحرير الأسرى بالأساليب والوسائل والادوات المطلوبة والممكنة عبر برنامج وطني مدروس، وشاملٍ لكل أماكن تواجدنا الفلسطيني، وأن نتحمل أعباء هذه المهمة الوطنية. كان علينا أن نريحهم من الصيام عن الطعام والشراب، ومن معاناة الألم والحرمان، وانتشار الأمراض القاتلة التي تهدد حياة شبابنا ونسائنا وأطفالنا، وأن لا نعطي للسجَّان الفرصة للتلذُّذ برؤيتهم وهم يموتون جوعاً وعطشاً، لكننا جميعاً تخاذلنا، وألقينا الهمَّ عليهم، فأصبح عليهم همَّان همُّهم وهمُّ القضية، وبقينا نحن في عملنا تقتلنا المزاجية، والعبث بأقدس تفاصيل الوحدة الوطنية.
من هذا المنطلق فإنَّ الواجب المقدس يفرضُ علينا الالتفاف حول الأسرى وحمايتهم، ودعمهم من الخارج، فالتضامن مع الأسرى ومطالبهم وحريتهم هي من المقدسات والثوابت الوطنية. رسالتنا الواضحة إلى عدِّونا بأنَّ الأذى الذي قد يلحق بأي أسير من أسرانا سيكلِّفُ الاحتلال تكلفةً باهظة، ولن نهدأ، ولن نستكين، وسنُسْمِعُ العالمَ صوتنا هادراً صاخباً بأنَّ الاحتلال إلى زوال قَصُر الزمانُ أو طال.
إذا هُزمت الحركة الأسيرة في انتفاضتها الوطنية، فإن ذلك يعني حتماً هزيمة الشعب والثورة، وضعضعةِ أركانها.
إنَّ الواجبَ الأول بالنسبة لنا هو أن نفعِّل حراكنا الوطني الفلسطيني والشعبي، وأن نعيش تطورات الأوضاع هناك لحظةً بلحظة، وأن يكون ردنا الجماهيري في كل مناطقنا ومخيماتنا صاخباً وغزيراً ومدوياً، وكلّما صعَّدنا إعلامياً وسياسياً، وأوصلنا الرسالة إلى الجهات الدولية، والانسانية، والقانونية أسرع وأشمل كلما شكّلنا ضغطاً دولياً على الكيان الصهيوني للاستجابة لمطالب أسرانا، وحقوقهم وصولاً إلى تبييض المعتقلات حيث إنّ هؤلاء الأسرى هم ثوار يقاتلون من أجل حرية شعبهم وبلدهم، وليسوا إرهابيين كما يدّعي الاحتلال. وبقدر ما ينجح الأسرى في معركتهم بقدر ما نقترب نحن من تحقيق أهدافنا، وتحرير أرضنا، وبناء دولتنا.
القيادة الفلسطينية تعي تماماً هذه الحقيقة التي تحدثنا عنها، ولذلك هي اليوم في حالة إنعقاد دائم، وتفاعل يومي مع كل التطورات المتعلقة بالأسرى، وتسعى إلى تفعيل معركة الأسرى على الصعيد الدولي والعربي، وبالتالي النظرة المستقبلية للوضع الفلسطيني الذي نحن اليوم نقف على أبوابه مُثْقَلين مكبَّلين بمتاعبنا السياسية والأمنية والوطنية، هذه النظرة المستقبلية ترتكز بشكل رئيس على نجاح معركة الأسرى بوجه السجّان الصهيوني.
إنَّ ما تحمله الحركة الأسيرة من أهداف وتطلعات وطموحات هي أقوى من جدران غُرف المعتقل والزنازين، وهي قادرة بتفاعلاتها اليومية على تصليب عود حركة فتح، وبالتالي (م.ت.ف)، والثورة الفلسطينية.
ويبقى علينا نحن الفلسطينيين في لبنان أن نجيب على السؤال الجوهري المطروح علينا وبوضوح: ما هو المطلوب منا كي نكون جنوداً مخلصين إلى جانب أسرانا البواسل؟!
أولاً: أن نُخضع أَنفسنا لمراس تربوي ثوري يصقلُ نفوسنا، ويُنضُج عقولنا، ويرتقي بنا إلى مرحلة سامية من الصفاء، والوعي الوطني، والوفاء لمن لهم في رقابنا دينٌ ثقيل.
ثانياً: أن نعي جيداً أهمية المخيمات الفلسطينية في حياتنا السياسية، وحركتنا الوطنية. إنَّ المخيم الذي استُهدف مراتٍ عديدةً بالقصف والتدمير والمجازر هو عنوان قضيتنا، وهو الذي يحتضن تفاصيل مسيرتنا. إنَّ المخيم هو القلعة التي تحتضن ذكرياتنا، وتفاصيلَ حياتنا، ومراحل عمرنا، وذكريات آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا، وصور شهدائنا، وخارطة بلادنا، وبقايا من تراثنا. هذا المخيم هو اليوم في عين العاصفة، إنه في خطر، لأنّ الخطر يلفُّ المنطقة بأسرها، ويزرع الرعبَ والموتَ والدمار هنا، وهناك، وهنالك. والاستهدافُ يتركَّز اليوم على قضية اللاجئين لأنَّ العدو الإسرائيلي يعتبرُ تنفيذ قرار العودة 194 كابوساً مرعباً على مستقبل الكيان الصهيوني. ولذلك نحن معنيون بحماية مخيماتنا من كل المشاريع المشبوهة، ومن كل العملاء الساعين لتفجير الفتنة داخل المخيمات، ومن كل الذين باعوا ضمائرهم، وأصبحوا في خدمة مشاريع تصفوية تستهدف وجود ومستقبل الشعب الفلسطيني.
ثالثاً: ليس أمام القيادات السياسية والأمنية والشعبية الفلسطينية إلاّ أن تواجه التحديات الجسيمة التي باتت تهددُ الواقع الاجتماعي، وتعمل على نسف مفاهيم الانتماء والالتزام بالقيم والمبادئ السلوكية التي تربت عليها الأجيال السابقة والتي أسهمت في مسيرة الثورة المعاصرة، وخرَّجت النُخَب من خريجي الجامعات والمعاهد، والأندية الرياضية الراقية، والمؤسسات التربوية، والجمعيات الثقافية والتراثية والفنية، وللأسف فإن جزءاً من هذه الصورة المشرقة بدأ يتلاشى، وانتشرت بعض الآفات المدمِّرة كالمخدرات على أنواعها، ووجدت من يرعاها، ويسِّهلُ انتشارها، وإن كانت بشكل محدود حتى الآن قياساً مع ما يجري في كافة المناطق والدول. والجميع يدرك أن هناك ضحايا لهذه الآفة قد يصلون مستقبلاً إلى مرحلة غاية في الخطورة بحيث يتم تجنيدهم لأجهزة، أو جهات معادية، هدفها زعزعة أوضاع المخيمات، وإرباك القيادات المحلية، وتحويل هؤلاء الشبان إلى شريحة مدمَّرة اجتماعياً، ومدمِّرة لغيرها من أبناء مخيمهم، ويصل الأهلُ إلى حالةٍ من الذعر والخوف على مستقبل أبنائهم، وإلى حالة من الخجل والكفِّ عن الاختلاط مع أبناء مجتمعهم لأنَّهم فقدوا السيطرة على أبنائهم، وأصبحوا هم وأبناؤهم مصدر شبهة وخطر على المجتمع.
وهنا يبرز السؤال الجوهري المطروح على الفصائل، وأولياء الأمور، والمؤسسات الاجتماعية: هل نترك هؤلاء الشبان المرضى بسبب الادمان على ما هم عليه، وتنتقل عدواهم إلى غيرهم؟ أو أن نبادر جميعاً بالمعالجة الجادة للتخلص من هذه الآفات، وهذا يتطلب موقفاً جاداً وموضوعياً ومبادراً من الجهة التنفيذية باتخاذ الاجراءات الضرورية فإذا كان المدمنُ تاجر مخدرات يجب تسليمه للجهات الأمنية لأن وجوده سيؤدي إلى انتشار هذه الآفة بشكل واسع، وعلى أهله أن يساعدوا على تسليمه طالما هم عاجزون عن ردعه ومنعه من ممارسة هذه المهنة المدمِّرة.
وعلى الجهات الأمنية في المخيمات أن تكون صارمة وحاسمة بالمعالجة ودون تردد، ومهما كلَّف الأمر لأنَّ مصلحة المخيم وأمنه فوق كلِّ الاعتبارات. فالمخيم المُعافى والبعيد عن المساوئ، وحياكة المؤامرت، وممارسة السرقات. إنَّ والمخيم الحريص على المحبة والأخوَّة، والتعاون، واستئصال الامراض الاجتماعية، هو المخيم القادر فعلاً على دعم ومساندة الأسرى في معركتهم، معركة الحرية، والصمود بوجه الجلاّد الصهيوني، والثبات في المحطات الصعبة والمعقدة، والنهوض بالقضايا الوطنية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها