ما فاه به المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة المصري، ضد شعبنا، وحكمه الظالم على الفلسطينيين جميعاً، بأنهم "يكرهون مصر" يكشف على نحو صادم، افتراق الرجل، ليس عن العدالة التي يُفترض أنه واحد من رموزها وحسب؛ وإنما عن التاريخ وعن الثقافة أيضاً!

ولكي نأتي "من الآخر" وسط هذه اللُجة من تركيز الاتهامات لحركة "حماس" بأنها تهدد الأمن القومي المصري؛ لا غضاضة عند كاتب هذه السطور، وهو الذي تعرض لـ "حماس" بأكثر الانتقادات حدة، في تعليق الخلاف معها طالما أن سماء مصر ملبدة، وأن الشعب الفلسطيني يتعرض لمحاولة شيطنة لإعادة القبضة الأمنية التي أمسكت بخناقه في أيام هناء الزند، عندما كان يخوض مع نظام مبارك، معركته للإطاحة باستقلال القضاء، مقابل ضمان ضخ أبناء القضاة للمراكز العُليا، في مؤسسة العدالة، على النحو الذي يطيح بالعدالة لأبناء عموم الناس!

للأسف، كان الزند يلقى من الوطنيين الفلسطينيين كل الإعجاب، وهو يتصدى عبر شاشات التلفزة، لحكم "الإخوان". كنا نعتقد أنه ينطلق في خصومته لجماعة "الإخوان" من منطلق حمدين صباحي والقوميين، ومن روح الشعب المصري، الذي يعرف صلاته الحميمة بالشعب الفلسطيني، ويرى بالملموس المحبة في عيون كل الفلسطينيين للمحروسة، صاحبة الأفضال ومهوى الأفئدة ومقصد الراغبين في المعرفة والتعليم والتواصل الاجتماعي. لكن الزند، استعاد روحاً أخرى، هي تلك التي لازمت مبارك وحاشيته الضيقة ومجموعة كُتّاب افتتاحيات صحفه، وبعضهم عندما كان يتمنى المزيد من الأقلام للإمعان تشنيعاً في الشعب الفلسطيني وتاريخه ونضاله وأخلاقه؛ لجأ الى الكتابة بأسماء مستعارة، مثلما فعل ابراهيم سعدة، عندما كان يكتب في "أخبار اليوم" كل يوم سبت، باسم "أنور وجدي" فيُكيل الاتهامات لشعبنا، لكي يخفض المصريون منسوب تعاطفهم مع قضية فلسطين، ضمن سياسة مرسومة. وعندما جاء الحق، وزَهق الباطل، وسقط النظام؛ بات آخرون، من عظام رقبة النظام القديم، ممن كانوا في الصفوف الخلفية، يلعبون الدور نفسه، فيخلطون بين رفضهم لحكم "الإخوان" والعنصر الفلسطيني المساند لهم، فيشيرون الى "حماس" ابتداءً، ويتهمونها بالقتل، ثم يسحبون الحكم على الشعب الفلسطيني كله، وهذا ما حذرنا منه، وكان يحدونا الأمل، ألا ينساق أحد منا مع هذه الموجة الجائرة، مدفوعاً بخصومته لحركة "حماس"!

الأصوات الفاقدة للإحساس بالعدالة، في مصر، تركز الآن على عملية تجنيس الفلسطينيين تبعاً لأمهاتهم المصريات. هؤلاء يعودون القهقرى بالثقافة الدستورية التي علا منسوبها بعد الإطاحة بمبارك. ذلك لأن تجنيس الفلسطينيين لم يكن إلا إنصافاً للمرأة المصرية ومنحها حقها الدستوري كالرجل، وليس إنصافاً للفلسطينيين، لأن جنسية الفلسطيني هي التي تنصفه. وليسأل هؤلاء أنفسهم، لماذا تقاطر الفلسطينيون من أمهات مصريات، لطلب الجنسية؟ لم يكونوا سيفعلون ذلك، لو كان الشاب الفلسطيني يمر أو يزور مصر بحرية، شأنه شأن شباب الدنيا كلها، من إسرائيل الى الصين التي ينتشر شبابها وشاباتها بأعداد هائلة، في أرجاء مصر، يعرضون بضائعهم في المقاهي والشوارع. ولا معنى أن يُقال عن شاب يحمل الجنسية المصرية، ويؤيد مرسي إنه فلسطيني ومحاسبته على جنسيته الأولى، وإن كنا ندعو هكذا شاب، لأن ينأى بنفسه عن تجمهرات لأي اتجاه، لتفويت الفرصة على المتربصين بالشعب الفلسطيني!

هناك تركيز آخر، على لافتات عُلقت في غزة، تؤيد د. محمد مرسي. هناك مواقف أكثر منها وضوحاً بالمعيار السياسي، في تونس وتركيا وغيرهما، إذ أعلنت الحكومات نفسها عن رفض خطوة القوات المسلحة. حكومة اسماعيل هنية، تحسست أهمية العلاقة مع مصر أياً كان الذي يحكم فيها، ومع ذلك جرى التركيز على الفلسطينيين. لذا نكرر الدعوة لـ "حماس" وغيرها الى توخي الدقة والحذر، حيال الأزمة في مصر، لأننا مكسر عصا. أما الآراء الفردية، فكل إنسان حرٌ في رأيه، وما يجري في مصر يهم الجميع من كل المشارب!

حبذا لو بادر صديقي وزير العدل وعضو المجلس الثوري علي مهنا، بالاتصال بالمستشار أحمد الزند، لإسماعه الحقيقة التي يتجاهلها، وهي أن الفلسطينيين يحبون مصر والمصريين، ولا يتمنون لهما سوى الاستقرار والرفاهية والريادة. ونتمنى على كتّابنا وإعلاميينا وبخاصة القائمين على المواقع الإلكترونية، ألا يؤيدوا الاتهامات الجزافية لأي طرف فلسطيني، بتهديد الأمن القومي المصري!