مرَّت خمسة عشر شهرًا على بدء الحرب والعدوان على قطاع غزة، وما زالت الأوضاع تتفاقم وتزداد سوءًا دون نهاية في الأفق ، الدمار والقتل والتهجير هي العناوين الأبرز لهذه الحرب، إذ تحمل الحرب في طياتها مآسي إنسانية واقتصادية واجتماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة، يصعب حصرها.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: من المستفيد من استمرار هذا العدوان؟ ولماذا لا يتم العمل  على ردعه بجدية لوقف هذه الكارثة الإنسانية؟.

- دوافع إسرائيل لاستمرار الحرب والعدوان:

1. أهداف سياسية داخلية: تُستخدم الحرب كوسيلة لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية التي كانت تعاني منها قبل أن يقع العدوان ولا زالت مستمرة، مثل أزمة القضاء وقضايا الفساد والانقسامات السياسية بين القوى الحزبية.
يُضاف إلى ذلك توظيف الخطاب الأمني لتعزيز شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة وتحقيق مكاسب انتخابية.

2. إضعاف روح وقوى المقاومة الفلسطينية: تحاول إسرائيل من خلال استمرار الحرب إضعاف واستنزاف قدرات الشعب الفلسطيني والقضاء على روح المقاومة الفلسطينية عبر ضرب حاضنتها الشعبية والقضاء على بنيتها التحتية العسكرية والاقتصادية وكي الوعي الفلسطيني، والتمكين من  سياسة الردع العسكرية والأمنية تجاه أي محاولات مستقبلية فلسطينية لمقاومة الاحتلال.

3. السيطرة على الموارد والمناطق الفلسطينية  عامة: تعمل إسرائيل على ترسيخ سيطرتها على الأراضي الفلسطينية عامة في الضفة والقطاع وفرض وقائع جديدة على الأرض، مثل التوسع الاستيطاني، ونهب الموارد الطبيعية وحرمان الشعب الفلسطيني من استغلال موارده الطبيعية، مثل: الماء، والغاز ، والبترول وغيره.
ويمثل قطاع غزة عقبة استراتيجية أمام  مشروع الهيمنة الإسرائيلية على الموارد الطبيعية، لذلك تسعى إسرائيل إلى تدميره ودفع سكانه إلى الهجرة خارجه، ومحو كافة المخيمات فيه، وإعادة بناء منظومته السكانية بدون مصطلح (مخيمات) لما تمثله من رمزية نحو قضية اللاجئين وحق العودة وإبقائه في حالة ضعف وفقر دائم، كي يتحول بطبيعته إلى طارد لسكانه.

4. أبعاد إقليمية ودولية: تسعى إسرائيل من استمرار الحرب والعدوان لإثبات نفسها كقوة إقليمية عسكرية مسيطرة ورادعة، تتفوق على كافة القوى  في المنطقة، ودون رادع يردعها، وتفرض سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط برمتها، وتحقيق فكرة إسرائيل الكبري من خلال القوة العسكرية والهيمنة على الموارد الطبيعية فيه، مستفيدة من الدعم غير المشروط من الولايات المتحدة الأميركية، وبعض القوى والدول الأوروبية الكبرى، التي تغض الطرف عن انتهاكاتها المستمرة لسيادات دول المنطقة،  وارتكابها لجرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي في حق الشعب الفلسطيني.

- القوى الدولية المستفيدة من استمرار الحرب والعدوان على غزة:

1. الولايات المتحدة الأميركية: تقدم واشنطن دعمًا عسكريًا وماليًا لإسرائيل غير محدود، وإلى أفق غير محدود، وهي المستفيد الأكبر لاستمرار سيطرتها على المنطقة باعتبارها الحليف الأهم والإستراتيجي  الأوحد لها في الشرق الأوسط.
لذا تُبقي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مشتعلاً دون حلٍ جذري له، كذريعة لتعزيز وجودها العسكري والسياسي. من خلاله في المنطقة، ومن خلال  قواعدها العسكرية المنتشرة فيها، ومبيعات الأسلحة لدول المنطقة التي تزدهر بفضل استمرار التوترات فيها، مما يحقق لها أرباحًا كبيرة لشركات الصناعات  العسكرية الأميركية.

2. الدول الأوروبية: بعض الدول الأوروبية تدعم إسرائيل دبلوماسيًا وتبرر عدوانها ضمن سياق "حق الدفاع عن النفس"، وهي شريكة في تأسيس الكيان الصهيوني، لما كان يسمى بالمسألة اليهودية في أوروبا والتي قذفت بها إلى خارج حدودها، يُضاف إلى ذلك شركات الأسلحة الأوروبية التي تستفيد من زيادة الطلب على الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية في ظل استمرار الصراع والنزاع دون وضع حد لنهايته.

3. روسيا والصين: لا تدعمان إسرائيل مباشرة،    لكن استمرار الصراع في الشرق الأوسط يُبعد الانتباه الدولي عن المناطق التي تسعى فيها كل من روسيا والصين لتوسيع نفوذهما، مثل أوكرانيا وجنوب شرق آسيا، وتستفيد الصين وروسيا من تجارة الأسلحة والموارد في المنطقة، وتراقب كل منهما عن كثب تطورات الصراع لاستغلاله لصالحهما سياسيًا أو اقتصاديًا.

- القوى الإقليمية المستفيدة من استمرار الحرب:

1. إيران: ترى إيران في استمرار الصراع فرصة لها لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال دعم المقاومة الفلسطينية وحركات مقاومة أخرى في المنطقة، وتستخدم القضية الفلسطينية كجزء من خطابها السياسي والإعلامي لتحدي إسرائيل والولايات المتحدة وبقية دول المنطقة، وتبرر بعض الدول العربية سياساتها الأمنية وصفقات الأسلحة التي تعقدها تحت ذريعة التصدي للخطر المزدوج  الإسرائيلي أو الإيراني.

2. تركيا: تحاول تركيا الاستفادة من القضية الفلسطينية لتعزيز دورها في العالم العربي والإسلامي كمدافع عن حقوق المسلمين والفلسطينيين، مما يعزز مكانتها الإقليمية والدولية، وتستغل الحرب لاستقطاب الرأي العام الإسلامي ودعم نفوذها في العالم العربي.
السؤال المُلح الآن، هل من نهاية لهذه الحرب  العدوانية والإجرامية؟.

- إن إنهاء  هذه الحرب يتطلب:

- أولاً: إرادة دولية حقيقية للضغط على إسرائيل لإنهاء العدوان ورفع الحصار.

- ثانيًا: يتطلب توحيد الجهود الفلسطينية والعربية  والعمل الجدي لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار "م.ت.ف" لمواجهة هذا التحدي المصيري.
لكن للأسف، يبدو أن استمرار الحرب لا زال يخدم مصالح قوى عديدة، دولية وإقليمية، وليس فقط إسرائيل.
وفي ظل غياب الحلول الجذرية والضغوط الفعالة، يبقى الشعب الفلسطيني هو الضحية الأكبر  والوحيدة لهذه المأساة المستمرة.

ختامًا، لا بد من أن يتحرك الضمير العالمي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني في غزة وفي كل فلسطين، ولا سبيل إلى ذلك سوى تحقيق الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفق قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، السلام العادل والشامل هو الحل الوحيد لإنهاء هذه المأساة،  وما دون ذلك سيبقى الوضع على ما هو عليه في فلسطين خاصة، والمنطقة العربية والشرق أوسطية بصفة عامة، بل ربما يتطور ويتفاقم أكثر في جولات لاحقة من العنف والصراع والتنافس بين القوى الدولية والإقليمية لحساسية أزمات المنطقة وأهميتها الإستراتيحية لجميع الدول.