كانت وما زالت القضية الفلسطينية باستحقاقاتها الوطنية والقومية والاقليمية والاممية محور الرحى في الامن الاقليمي ليس فقط في النطاق العربي، بل على مستوى اقليم الشرق الاوسط الكبير. وهذا ليس تضخيما مفتعلا للمسألة الفلسطينية، ولا تطيرا في توصيف الوضع، او تحميل الامور أكثر مما تحتمل. انما هو قراءة مسؤولة وواقعية للواقع. ومع ان إسرائيل وخلفها الولايات المتحدة الاميركية ذهبتا بعيدا في تكريس مخططها الاستعماري، الذي يجري العمل عليه راهنا، اي الشرق الاوسط الجديد، الهادف لتمزيق وحدة اراضي وشعوب الدولة الوطنية في العالم العربي إلى دويلات إثنية ودينية وطائفية ومذهبية، بهدف تسييد دولة التطهير العرقي الاسرائيلية على رأس الشرق الجديد، ولالهاء الشعوب والجماعات والفرق المذهبية والطائفية في حروب بينية بينها لاسقاط وإلغاء اولوية القضية الفلسطينية في اجنداتها الوطنية والقومية، ولطمس قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم عبر عملية التعويم لمسألة اللاجئين العربية والدولية، وبالتالي فرض حل إسرائيلي يقوم على ركيزة الترانسفير لاكبر نسبة من السكان الفلسطينيين، اصحاب الارض الاصليين، ومنح من تبقى منهم جزر متناثرة على شاكلة البانتوستانات، وشطب كلي لخيار الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وفرض الهيمنة الاسرائيلية وتعميق عملية نهب الثروات العربية، وطبعا الحؤول اولا وثانيا ... وعاشرا من نهوض المشروع القومي العربي التنويري. الا ان هذا لم ولن يسقط اولوية المسألة الفلسطينية. وستبقى قضية العرب المركزية، ليس لسود عيون الفلسطينيين العرب، انما لوجود إسرائيل واطماعها الاستعمارية في دول المشرق والمغرب العربي.
ومن يعتقد من أي من الاشقاء العرب الرسميين ان تطبيع العلاقات مع دولة اسرائيل المارقة والخارجة على القانون يؤمن له "حليفا مؤتمنا" في مواجهة اي قوى قومية اخرى في الاقليم (إيران او تركيا او حتى في الصراعات البينية)، فإنه يكون ساذجا وسطحيا في قراءة المعادلات السياسية، وكمن يغطي الشمس بغربال. لأن اسرائيل تتخندق في مركز قوى الاعداء، وهمها الاساسي استنزاف طاقات واموال وثروات الدول العربية، وإبقائها في حالة من التشرذم والحروب الداخلية، وإخضاعها لعمليات نهب ممنهجة. لأن ذلك في صلب مصالحها الاستراتيجية. وبالتالي من يريد حماية ركائز دولته ووحدة شعبه من الدول الشقيقة، ودرء اخطار الجماعات التكفيرية والاخوان المسلمين عموما، تفرض عليه الضرورة قطع علاقات التطبيع فورا مع الدولة الاسرائيلية الاستعمارية. وتحصين الامن الوطني والقومي مع الدول الشقيقة، والعمل على الاستخدام الامثل لاوراق القوة العربية لحل المسألة الفلسطينية وفق معايير مبادرة السلام العربية.
إنطلاقا مما تقدم، لا يمكن لأي عملية سلام النجاح بين الدول العربية عموما ودولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية الا بالتنفيذ الامين والمتسلسل لعناصر ومبادىء مبادرة السلام العربية المقرة في قمة بيروت عام 2002. اولا الاقرار بالانسحاب الكامل من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 67، ثم إقامة الدولة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق عودة اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية ثم التطبيع العربي والاسلامي مع الدولة الاستعمارية. اما الركض في متاهة التطبيع، وتقديم التنازلات المجانية من قبل الدول العربية عن مصالحها واراضيها، ودفع الوفود والقيادات الامنية والسياسية السرية والعلنية لزيارات إسرائيل، وبناء التحالف معها، وفتح الحدود والاراضي امام طائراتها الحربية واجهزتها الامنية، فهذا لا يخدم من قريب او بعيد اي دولة عربية. بل العكس صحيح. وهو ما اشار إليه الرئيس محمود عباس في خطابه في قمة نواكشوط الاخيرة، حيث قال: "ونحذر من مفهوم يتم تداوله ويروج له تحت مسمى "التعاون الاقليمي او الامن الاقليمي" بهدف خلق تنسيق امني إقليمي بين إسرائيل والدول العربية يهدف إلى تطبيع تلك العلاقات قبل تحقيق هدف إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية والعربية." بتعبير اوضح لا أمن إقليمي ولا تعاون إقليمي بين العرب وإسرائيل، ولا سلام في الاقليم والعالم دون حل المسألة الفلسطينية. ومن يعتقد ان القيادة والشعب سيبقون إلى ابد الابدين في حال إنتظار مشيئة اسرائيل الفاشية، يكون مخطئا جدا. ومن يعتقد انه يستطيع تسويق بضاعة فاسدة باسم "الامن والتعاون الاقليمي" ايضا يكون مخطئا، ولا يرى ابعد من ارنبة انفه. فلسطين كما كانت على مدى عقود الصراع، هي بوابة السلام والحرب على حد سواء. وكلاهما عميق الصلة بـ ”الأمن والتعاون الاقليمي”. فهل يدرك الذين اعماهم فقر الحال السياسي مصالحهم الوطنية والقومية؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها