يحيى عاشور، أو حمدان وهو الاسم الحركي في فتح الذي اشتهر به كثيرا، التحق بالرفيق الأعلى وانضم الى كوكبة شهداء فتح الكبار، واصبح جزءا من الذاكرة الوطنية، وهي ذاكرة عظيمة ونادرة وعميقة لجيل فلسطيني حلت به اعظم كارثة في التاريخ وهي النكبة وما ادراك ما النكبة، انهيار الكيان وفقدان الوطن، والبعثرة في الكون الشاسع، حتى قال عنه اعداؤه الذين تواطأوا ضده لأسباب كثيرة انه شعب سيئ الحظ، سقط تحت اقدام الفيلة الكبيرة، كباره سيموتون وصغاره ينسون، وسيشطب اسمه الى الابد.

لكن هذا لم يحدث ابدا، رغم كل الآلام، والفواجع، رغم الخيانات من اقرب الاقربين الى ابعد الابعدين، رغم صنوف المحاولات التي شنت عليه لينسى اسمه الفلسطيني وذاكرته الفلسطينية، لكنه ظل يحاول، وصبر بما يفوق الصبر، وابدع ما يفوق الابداع, ونجح في ان يظل حيا، في ان يكون له دوره في صناعة التاريخ.

حمدان أو يحيى عاشور ابن مدينة غزة، واحد بارز من هذا الجيل, اطلقوا فتح كصيغة للقيامة الفلسطينية، حتى قبل ان توجد "فتح" فان ابناء هذا الجيل تلمسوا وجودها، مثل جدول مالديف الغربي الذي حدد التكافؤ الذري لعشرات الفلزات قبل اكتشافها، هكذا كانت حالة الجيل الفلسطيني في كل مكان في الارض عشرات التكوينات التنظيمية الصغيرة يجذبها القطب الكبير الذي لا بد ان يظهر، وعندما ظهرت فتح اكتشف الشباب الذين لم تستهويهم الأحزاب الاسلامية ولا القومية ولا اليسارية في العالم العربي لانها كانت تضع فلسطين في آخر القائمة، وهذا الجيل يبحث عن فلسطين لتكون في أول البدايات, ومنذ ذهب يحيى عاشور "حمدان" الى النمسا ليدرس الهندسة كان يبحث عن محاولة، حتى ان المؤسسين الأوائل لـ"فتح" اكتشفوا ان الحركة بمبادئها، بجوهرها الأول، بسرها الفلسطيني، موجودة عند هذا الجيل في كل مغترباته ومنافيه في العالم دون ان يحددوا لها اسما، وكان يحيى عاشور "حمدان" واحدا بارزا من هؤلاء، ومع "فتح" ذهب الى الصين, والى القواعد في جنوب الاردن، والى اقليم فتح في لبنان ليشكل جناحه اللبناني من ابرز الشباب ومن ابرز الجامعات، ومن التنظيم الى مركز التخطيط مع مجموعة مميزة ثم الى امانة سر المجلس الثوري، دائما يبحث عن افق، دائما يرى قضيته الفلسطينية من منظار صراع القوى في العالم ومنها المنطقة العربية، كان يعرف ان قضية فلسطين مثل جبل الجليد لا يظهر منه في كل لحظة سوى الجزء الذي يظهر فوق سطح المحيط، اما عمقها فهو هناك في الاعماق، وفتح هي الصيغة المثالية لمعرفة هذه القضية ومن وحمل اعباءها وعدم فقدانها في التواءات الطريق.

رحم الله المناضل الوطني والقائد الفتحاوي الكبير يحيى عاشور"حمدان" الذي كان يرى ما لا يرى، فيتفاءل حتى عندما يتحول الآخرون الى جوقة بكاء. كل الصعوبات طبيعية، كل المؤامرات يجب ان تحدث، كل المرارات يجب ان نتذوقها، لكن موعدنا قادم، ونحن نريد فلسطين وليس أقل من فلسطين، وهي قادمة ونحن اليها سائرون.