قلة قليلة من العرب يهتم بالشأن الداخلي الإسرائيلي وأقلهم من يسعى للتأثير فيه، فالعرب أغلبية العرب، سواء على المستوى الرسمي الحكومي، أو على مستوى الأحزاب والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني، ينظرون إلى المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أنه عدو قوي متماسك شرس يعض وعضته تجلب الموت ولذلك يجب تحاشيه والابتعاد عنه على قاعدة "الشباك الذي يأتيك منه الريح سده واستريح"، وعلى النقيض من هذا الموقف يحاول البعض المهزوز الضعيف التعامل مع الاسرائيليين من تحت الطاولة وقليلاً من التطبيع، فالبضاعة السياسية الاسرائيلية من المتعذر تسويقها، ولا فائدة مرجوة من تسويقها، ولذلك منافذ وفرص التطبيع معها محدودة، باستثناء بعض الأجهزة الأمنية العربية فهي الأنشط في تعاملها مع الاسرائيليين على قاعدة وجود عدو مشترك، أما الأغلبية فهي ترى إسرائيل على أنها  تتشكل من لون واحد، ورؤية واحدة، ولا فائدة من أي محاولة لاختراق صفوفها وكسب انحيازات من داخلها لعدالة القضية الفلسطينية ومشروعية نضالها وأحقية مطالب شعبها، والقليل جداً من يعمل لخدمة الشعب العربي الفلسطيني الشقيق بهذا الاتجاه، ومحاولة كسر شوكة الاسرائيليين وتطرفهم وتقويض مكانتهم بالعمل على اختراق صفوفهم وتعرية سياساتهم العنصرية الاحتلالية التوسعية، وهذا ما تحاوله لجنة التواصل التي يترأسها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد المدني.

لندقق فما قالته إحدى الصحف "العربية" الصادرة في  إحدى "العواصم العربية" تقول الصحيفة حرفياً:

"يعيش الفلسطينيون تحت حكم الاحتلال منذ 48 سنة، دون أمل في الأفق، تُسلب أراضيهم، تقام عليها المزيد فالمزيد من المستوطنات، لا يسمح لهم بحرية التحرك، يضربونهم في داخل بيوتهم، يهينونهم، يمنعون عنهم التنمية الاقتصادية، ما يدهورهم نحو بطالة عميقة، وهم يعيشون مع يأس لا يرى احتمالاً لإقامة دولة خاصة بهم، مع كرامة ذاتية وسيطرة على مصيرهم بدلاً من الاحتلال "ولذلك ترى الصحيفة أن" لا مبرر لقتل الأبرياء ويجب شجب العمليات "ولكنها تقول وتؤكد على أنه "منذ فجر التاريخ كل شعب كان تحت الاحتلال قاتل لازاحته "وهي تُحمل نتنياهو وسياسته مسؤولية ما يجري فتقول "نتنياهو هو من أفشل بوادر المفاوضات، لأنه غير معني بحل الدولتين، وبدلاً من ذلك انتهج سياسة إدارة النزاع، القائمة على أساس استمرار القمع، وعندما فشل، فإنه يحاول استخدام المزيد من القوة، والخطوات التي يستعملها مثل العقاب الجماعي، وهدم المنازل، ستعمق اليأس فقط، والنتيجة ستؤدي إلى مزيد من انفجارات العنف".

هذه المقدمة الطويلة المنقولة حرفياً، لم تكن كما وصفتها مقالاً في صحيفة عربية وصادرة من عاصمة عربية، بل الحقيقة إنها مقال نشرته صحيفة عبرية إسرائيلية، صادرة في تل أبيب يوم 5/2/2016، إنها افتتاحية صحيفة "هآرتس" وتم نشرها تحت عنوان "وهم إسرائيل" ومنشورة باسم أسرة تحرير الصحيفة، فما رأي السادة أصحاب القرار والمتابعة في العواصم العربية، ألا تستحق هذه الصحيفة الإسرائيلية التي ترفض الاحتلال والعنصرية وترفض اضطهاد الفلسطينيين وتُطالب بمنحهم حقهم في الحرية والاستقلال، ألا تستحق التقدير على ما تقول وعلى ما تنشر علناً، خصوصاً لا مصلحة لها في الاقتراب من العرب أو من الدفاع عنهم، بل تُمارس سياسة مهنية مبدئية في مواجهة أفعال المتطرفين وهوجاء الشارع الإسرائيلي من المتدينيين المتزمتين.      

المجتمع الاسرائيلي، مثله مثل كل المجتمعات البشرية، لديه أصناف عديدة من المواقف والسياسات، قد يغلب عليها الطابع العنصري ورفض الآخر، والانعزالية سياسة منهجية يحرص على استمراريتها قيادات عنصرية متطرفة، تكره الآخر وتسعى لتدميره، ومع ذلك ثمة من يمكن التعامل معه، وكسب انحيازاته لعدالة القضية الفلسطينية، ولكن هذا يجب أن يتم عبر سياسة منهجية واعية تمتلك القدرة على اختراق الاسرائيليين والتكيف معهم، وصولاً إلى فلسفة العيش المشترك والمصالح المتبادلة والأمن للجميع على قاعدة استعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني، وليس التنازل عنها أو تبديدها.   

ما يكتبه جدعون ليفي وعميرة هاس يفوق ما يكتبه بعض الفلسطينيين عن أنفسهم ومعاناة شعبهم، فهما يحملان السلم بالعرض لمواجهة سياسات حكومة نتنياهو، وأحزاب اليمين، وأفعال المستوطنين، وسياسات الاحتلال وإجراءاته ضد الشعب الفلسطيني، من مصادرات وهدم بيوت واعتقالات إدارية وعقوبات جماعية، فمن من الجانب العربي الرسمي أو الشعبي يملك شجاعة تقدير موقفيهما؟؟

ما يفعله هؤلاء القلائل من الإسرائيليين ضد سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وتضامناً مع الشعب الفلسطيني يحتاج لمن يمد يد التعاون معهم وتقديم الشكر، مع أنهم لا يطلبون ذلك، ولا يفعلون ذلك لدخول الجنة إضافة إلى أنه فعل لا يؤدي إلى النجاح في الانتخابات، بل إن دوافعهم الانسانية وفهمهم اليساري ضد الاحتلال والعنصرية هو الدافع القوي لهم، وهذا ما يجب أن نقدره ونرعاه لأنه مكسب للحركة الوطنية الفلسطينية في نضالها الوطني والديمقراطي، ضد المشروع الاستعماري الإسرائيلي، وهو أحد المظاهر الايجابية لعدالة النضال الفلسطيني وتطلعاته العادلة وحقوقه المشروعة أمام المجتمع الدولي.