تحدثنا في الحلقة الأولى عن الخوف والاحباط لدى "داعش" وتخلي الداعمين، وأبرزنا مكاسب التنظيم والدول الأخرى من "غزوة باريس"، ونستكمل حول النشأة" و"القاعدة والتطرف
في نشأة "داعش" والتساهل
إن النظر ل"داعش" من زاوية استراتيجية ذات طابع اقليمي وعالمي، لا يغني عن النظر أيضا في داخل هذا التنظيم والتنظيمات المشابهة وأبرزها "القاعدة" التي تمثل الخطر الداخلي الأكبر على "داعش".
ان تنظيم "الدولة الاسلامية" بدءا من نشأته في العراق، فالعراق والشام ثم عبر العالم، قد تشكل على قاعدة الدعم والرعاية أو التساهل والتغاضي والتسهيل للحركة من عدد من دول الإقليم المستفيدة من وجوده، ومن الراعي الأكبر الولايات المتحدة الاميركية الذي لسان حاله قال ما دامت المصالح الاقتصادية ومصالح الهيمنة والسيطرة متحققه فما المانع (بل من الضروري) أن تكون الفوضى في المنطقة أكبر وأكثر وأعمق, وبناء على هذا (المناخ) أو (المساحة) المريحة حصل التقارب بين المتضادين على الأرض، حصل التقارب بين المتضررين سواء من الارهاب (الشيعي السلطوي السياسي) الحاكم في العراق المدعوم خارجيا، وبين المتضررين من نظام الأسد، مع أولئك المؤمنين بضرورة "الجهاد" ضد الكفار و"الرافضة" (الرافضة مصطلح مضلل يطلقونه على الشيعة عامة، كما المتطرفين بالطرف الآخر يسمون السُنّة عامة بالنواصب) فكان أن تقاطعت الأهداف والمصالح وخاصة منذ العام 2011، وبتحديد أكبر تشكلت "داعش" كتحالف بين 3 مكونات: الأول وهم قيادة حزب البعث(العراقي) وضباطه، مع مدرسة الفكر الجهادي (القتالي) السلفي، ومع الجماعات غير المؤدلجة (بعض من الجماعات والجماهير التي تبغي رفع الظلم والاستبداد والحرية) ولكنها المتأثرة مباشرة بظلم النظامين الجارين، فنشأت (داعش) التي ما زال يحكمها قادة البعث ميدانيا وفي الاستراتيجات العسكرية والأمنية وحتى التنظيمية، وفق ما اشارت له مختلف التقارير العربية والغربية.
بين "داعش" وخطر "القاعدة"
إن تنظيم (داعش) بهذه العقلية وهذا التكوين لا يشكل أمامه – وخاصة بعد انتصارات مدينة الرقة والموصل– تحديا داخليا كبيرا الا تنظيم (القاعدة) بزعامة (الرمز) أسامة الظواهري، ولكن في الاستطراد لا يغيب عن البال إنحسار مساحة الحركة لتنظيم القاعدة سواء في أفغانستان أو سوريا (رغم انتصارات مدينة الرستن مؤخرا ضمن "جيش الفتح" الذي ضم "النصرة" فرع القاعدة في سوريا) أو في الغرب ما دعى أيمن الظواهري لأن يخرج معلنا وجوده عبر تسجيل صوتي بعد أن كاد الستار يسدل عليه ويعتبر حدثا مضى وانقضى.
بوضوح فان شعور (داعش) بالخطر عامة، ومن (القاعدة) هو شعور له ما يبرره على الأرض حيث تمد(النصرة) بيدها للتنظيمات الاسلاموية الأخرى في سوريا وتتقدم، بينما يرفض "داعش" الا (البيعة للخليفة).
الشعور بالخوف من عودة تنظيم "القاعدة" أو استرجاعها قواعدها تعمّق لدى "داعش"مؤخرا من خلال 5 مظاهر الأول أفزعهم في خطاب الظواهري الأخير أنه طالب بضرب "العدو البعيد" بقوة (فهل استبقته داعش أم نفذت ما يقول).
كما قامت "داعش" قبل ذلك -بخطوة استباقية- بالتمدد في افغانستان كمحطة لاحقة أمنة (جماعة سعيد خان) حال تعرضت للضغط الشديد في العراق والشام، أما ثالثا فلقد أزعج جماعة ابو بكر البغدادي (خليفة المسلمين) و(امير المؤمنين) أن "يبايع" أمير "القاعدة" أيمن الظواهري (الملا منصور) قائد تنظيم طالبان الجديد، في تحدي رأوه صارخا ل"دار الخلافة" في الموصل.
ورابعا يمكننا أن نرى الأجنحة المتصارعة داخل الفصيل ذاته بتكوينه غير المنسجم الذي ذكرناه والذي يضم المؤدلجين سواء البعثيين (الذين التحوا) أو جماعة القتالية السلفية، أو غير المؤدلجين من وقود الحرب الذين هم عامة الناس المنتمين لهم (أو المهابيل برأي "القاعدة" فيهم الذين لا يفرقون بين القرآن وبين أشعار عمر الخيام) في العراق وسوريا والقادمين من الخارج المؤمنين بالخرافة والأسطورة والرمزية على أنها قاعدة دينية وعلى رأسهم أولئك القادمين من وسط أسيا وأروبا وشمال افريقيا والخليج.(وصل عدد المقاتلين الأجانب في "داعش" 25 الف مقابل 10 آلاف فقط كانت حصيلة الأجانب في تنظيم "القاعدة" بعشر سنوات) وهذه التركيبة المربكة تدعم مركزية البناء التنظيمي (فكر سلفي-قتالي) وشدة السيطرة الوحشية والأمنية داخل التنظيم (عقلية البعثيين) التي تتغذى بالطاعة العمياء (البيعة) و"نصرة الاسلام" والانتصارات, ومع ذلك برزت في "داعش" تيارات استاءت كثيرا من التفرق فعاشت كابوس فُرقة المسلمين، فكانت تنقّل الولاء بين تنظيم اسلاموي وآخر، أو تنشق في صراعها الداخلي المتواصل على الحق والإمارة.
ان هذا الصراع الداخلي يحتاج من عقلية "داعش" لتشديد القبضة، ويحتاج لمزيد من القتل الداخلي ومزيد من الزج بالمخلخلين "المنافقين" فيهم لأداء عمل انتحاري أو تكليفهم بعمليات استباقية تبقى النجم ملتمعا دوما في السماء.
والعامل الخامس بشعور الخطر هو محاولة القاعدة (والنصرة ) استعادة مواقعها الميدانية والفكرية والاعلامية لا سيما بعد أن أعادت "القاعدة" إصدار مجلتها (انسبير= الإلهام) الانجليزية والتي حضت فيها على الاغتيالات وتجديد العمليات الخارجية وكسب مقاتلين جدد.
ان هذه المخاطرالقادمة من تنظيم ايمن الظواهري رغم حجمه الحقيقي الذي بدأ يتضاءل مقابل "الدولة الاسلامية" أدى ضمن العوامل الأخرى الى تنفيذ (غزوة باريس المباركة )...!
فكرة العداء التاريخي بين (دار الاسلام) و(دار الكفر) وثقافة الارتهان الماضوية لعقلية المؤامرة الدائمة (الغزوات الصليبية) شكلت عامل استثارة وتحريض دائم في الثقافة الاسلاموية عامة، عدا عن مقدار الظلم والحقد والاحتقار والقتل الذي تعرض له ملايين العراقيين (ومثلهم في سوريا) من النظام، إما على قاعدة الطائفة أو الانتماء التنظيمي-السلطوي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها