في الـ 28 من اكتوبر الماضي، عرض جون كيري، وزير خارجية اميركا، رؤية إدارته لكيفية معالجة قضايا الشرق الأوسط في مؤسسة كارينغي للسلام الدولي/ واشنطن، التي تناقش آفاق تطور العالم العربي. وبدأ رؤيته بالحديث عن "الصراع بين المدمرين والبنائين، الذي يؤثر في كل جانب من جوانب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط". القراءة المجردة للمفاهيم، توحي بالايجابية، غير ان المراقب، حين يتابع كامل الموقف للرجل، يلحظ ؛غياب المنطق؛ وسقوط التجريد الايجابي، في وحول الملموسية والتطبيق.

ولو توقف المرء أمام ما جاء في محاضرة كيري عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، يلحظ بجلاء الغياب الكلي للمنطق العقلاني العلمي، واسقاطات رغبوية لتوجهات السياسة الأميركية، التي تتضمن رسائل تهديدية للرئيس محمود عباس، حين يدخل بشكل إرغامي اسم الدكتور سلام فياض، في الوقت، الذي كان يغمز من قناة القيادات القائمة، فيقول: الناس في جميع البلدان بدأوا بفقدان إيمانهم في قياداتهم، الفلسطينيون فقدوا الايمان ..." ويتابع "ما يتطلبه الأمر، هو قيادة حقيقية وقرارات حقيقية وأحداث حقيقية على الأرض للبدء في تغيير تلك الآمال".

ثم يضيف في الفقرة اللاحقة: "الولايات المتحدة تؤمن بعمق في مستقبل المنطقة. هذا هو السبب في اننا نظل مرتبطين بها. وهذا هو السبب في اننا استثمرنا في مجموعة متنوعة من برامج جيدة من مبادرات حكم القانون في الأردن، وشراكات بين القطاعين العام والخاص في السلطة الفلسطينية، والتي بذل فيها سلام فياض جهدا كبيرا. وقد كان من دواعي سروري العمل معه في محاولة لتنفيذها".

قبل التعرض لايراد اسم أبو خالد، يطرح السؤال نفسه: هل للسيد كيري ان يدل المواطن البسيط عن سبب فقدان الأمل في فلسطين؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ أليست الرعاية الأميركية المنحازة وغير الموضوعية لعملية السلام السبب؟ أوليست الانتهاكات والجرائم الاسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، هي السبب؟ ولماذا جاءت الهبة الشعبية؟

 وأما موضوع الدكتور سلام فياض، هل سأل رئيس الديبلوماسية الأميركية، عمن جاء به رئيسا للحكومة الفلسطينية؟ ومن شكل سندا له في تطبيق البرامج، التي طرحها؟ وألم يكن بالامكان للرئيس محمود عباس، ان يختار بديلا له، كما فعل حين أخطأ الدكتور سلام؟ وهل القصد من إيراد إسم رئيس الوزراء السابق، الاساءة لشخص رئيس الحكومة الحالي أم الترويج مجددا لشخصه كوريث للرئيس أبو مازن؟

ثم يعود وزير خارجية اميركا، ليؤكد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وعن مواطنيها؟" والسؤال هنا، ماذا عن حق الفلسطينيين بالدفاع عن أنفسهم؟ أم لا يجوز لهم الدفاع عن أنفسهم؟ ثم من الذي يعتدي ويحتل أرض الآخر، الفلسطينيون أم الاسرائيليون؟ وكيف يحق لدولة خارجة على القانون الدفاع عن نفسها؟ وهل المطلوب من ابناء الشعب االفلسطيني الاستسلام لمشيئة إسرائيل وخيارها الاستعماري؟ ما هو المطلوب من الفلسطينيين؟

يجيب كيري على الأسئلة، بالتالي فيقول: "المهم للغاية لاسرائيل، اتخاذ الخطوات لتمكين الفلسطينيين لتحسين الفرص الاقتصادية ونوعية الحياة اليومية..." وبنفس القدر من الأهمية على "القادة الفلسطينيين وقف التحريض على العنف، وتقديم ما هو أكثر من الكلام، وبدلا من ذلك إقتراح الحلول، التي من شأنها ان تساهم بشكل حقيقي في تحسين الحياة والحد من العنف، وسلامة وأمن إسرائيل". خلاصة قوله: اولا التساوق مع خيار نتنياهو، أي الحل الاقتصادي؛ ثانيا يقلب الحقائق رأسا على عقب، حيث يشير، وكأن الفلسطينين، هم الذين "يمارسون دور "المحتل"، عندما يطالبهم بـ "تأمين" سلامة الاسرائيليين؟ ثالثا يطالب الفلسطينيين بتقديم الحلول الابداعية، ولماذا لم تتفضل ادارتك من تقديم هذه الحلول؟ وما هي هذه الحلول غير إزالة الاحتلال الاسرائيلي وتجفيف أسباب الارهاب الاسرائيلي المنظم؟ رابعا كيف ولماذا وعلى أي اساس تتهم القيادة الفلسطينية بـ "التحريض" على العنف؟ أليست عمليات التهويد والاستيطان الاستعماري والاعتقال والقتل العمد والميداني للأطفال والنساء والاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى وفرض التقسيم الزماني والمكاني، هي الأسباب الحقيقية للعنف؟

على كل عاقل فلسطيني، ألا يطلب من كيري أن يكون فلسطينيا، الأمر الذي يفرض إعادة قراءة المشهد بطريقة مختلفة، لتجاوز التحريض والتهديد الأميركي المبطن للرئيس عباس وغيره من اركان القيادة، وللمشروع الوطني برمته.