نظمت مؤسسة الشرق الأوسط في واشنطن ندوة يوم الجمعة 17 ايار (مايو) 2013 لمناقشة دراسة أصدرها مركز "هنري ستيمسون" بعنوان: سياسة الولايات المتحدة في أوقات التحول: إنهاء الاحتلال، تعزيز أمن إسرائيل وتحقيق السيادة الفلسطينية" أدارها الدبلوماسي الأميركي المعروف توماس بيكرنغ (الذي عمل سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة وإسرائيل والأردن وموسكو ضمن مهمات أخرى)، أعدها كل من جيفيري آرونسون مدير مؤسسة سلام الشرق الأوسط، والعقيد المتقاعد من الجيش الأميركي فيليب ديرمر وتشير الدراسة إلى "أنه وبعد عقود طويلة من القلق الأميركي غير المعهود وحشد الطاقات الدبلوماسية، يظهر الوضع اليوم وكأن هذا الاهتمام قد تبدد فيما يخص استمرار الاستيطان في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 (الضفة الغربية) وكأن الأمر لم يعد يعني الأميركيين العاديين أو صناع السياسة في واشنطن".
وتعزو الدراسة "سبب اللامبالاة الأميركية الظاهرة ليس كون أن هذه السياسة انتصرت بمعنى تحقيق أهدافها، بل على العكس من ذلك هي نتيجة الإحباط الذي يعرقل قدرة الإدارات الحديثة في ملاحقة السلام الإسرائيلي الفلسطيني الهلامي ووضع تأثير وثقل للولايات المتحدة وراء ذلك".
وتلوم الدراسة إدارة الرئيس أوباما "لعجزها عن قيادة عملية السلام الناجحة، ووقوفها متفرجة على ما تفعله إسرائيل من تهميش لمنظمة التحرير الفلسطينية وتوسيع الاستيطان في الأراضي المحتلة؛ يمكن القول أن عهد أوباما (في فترته الرئاسية الأولى) شهد استسلاماً للعواطف الجياشة التي تحرك الصراع من قبل الطرفين وعجزت عن توجيه هذا الصراع، في التطورات الدراماتيكية التي شهدتها بلدان الربيع العربي، مما وضع الصراع العربي الإسرائيلي في إطار هامشي".
وتسلط الدراسة الضوء على أنه بغض النظر عن التطورات والاضطرابات المتأججة في منطقة الشرق الأوسط، يبقى الصراع العربي الإسرائيلي وضرورة حله أمراً مفصلياً في تحديد مستقبل المنطقة.
وتقدم الدراسة مجموعة من الاقتراحات تلبي المطالب الإسرائيلية الأمنية مع ضرورة إنهاء الاحتلال، وقيام دولة فلسطينية مستقلة تلبي المتطلبات الفلسطينية الوطنية بما فيها السيادة وإنهاء الاحتلال، مستشهدة بتأكيد الجنرال الأميركي جيمس ماتس الذي رأس "القيادة الأميركية الوسطى" في خطاب شهير له تحدث فيه عن أهمية حل الصراع العربي الإسرائيلي على أساس الدولتين، وإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وخدمة المصالح الأمنية للإستراتيجية الأميركية القائمة، حيث قال في ذلك الخطاب "إن الطريق الوحيد المضمون لتحقيق السلام في المنطقة يعتمد على قيام حل الدولتين، الذي لا بديل له، خاصة وأن هذا الصراع يستغل من قبل خصومنا في المنطقة، وأعدائنا المتطرفين بالتحريض ضدنا وتعبئة مشاعر الشارع ضد المصالح الاميركية.... إن غياب التقدم على هذا الطريق يخلق لنا توتراً مع حلفائنا وأصدقائنا ويحرج القوى المعتدلة في المنطقة ويهمش دورها، وعلى العكس فإن إحراز التقدم نحو تحقيق السلام يعزز من مصالحنا، وبالنسبة لي في "القيادة الوسطى" يفسح المجال أمام تعاون إستراتيجي فعال في المنطقة.
وتقترح الدراسة ضرورة استمرار القناعة في واشنطن بأن حل الصراع العربي الإسرائيلي "يشكل مصلحة أمنية مفصلية للولايات المتحدة" وأن هذا التقييم يجب أن يبقى على قمة أولويات الولايات المتحدة، ومتابعته بشكل حثيث مع الطرفين المعنيين، كما والأطراف الأخرى، لأن قيام "دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة هي أيضاًً من مصلحة إسرائيل التي يجب أن تكون آمنة في حدود واضحة، ومحددة وقائمة" في إشارة واضحة لحدود إسرائيل قبل حرب 1967.
ولعل القواسم المشتركة بين المشاركين في الندوة شملت خطأ الموقف الأميركي الذي يتحدث أحياناً عن "لا يمكن لنا أن نرغب في السلام أكثر مما يرغب به الطرفان"، معتبرين أن هذا بمثابة تخل عن المسؤوليات والقيادة الأميركية التي ليس لها بديل.
يؤكد آرونسون حول هذه النقطة "أنه يجب علينا أن نرغب في تحقيق السلام أكثر من الطرفين، لأن الطرفين غارقين في صراعهما، ومحاولاتهما المستمرة في محاولة كل منهما إثبات وجهة نظره على حساب الاستقرار والسلام، خاصة وأن للولايات المتحدة أثر بالغ على الطرفين".
وتستنتج الدراسة "أن الولايات المتحدة تبقى هي القوة الوحيدة القادرة على حشد الطاقات والضغط على الطرفين، كما على العالم، لحل هذه المعضلة، عالمة بأن حلها يشكل مطلباً وشرطاً أساسياً للمصلحة الأميركية الإستراتيجية، وأن عدم تحقيق ذلك لا ينال فقط من سمعة الولايات المتحدة ومصداقيتها بل أيضاًً من مصلحتها الأمنية".
أما القاسم المشترك الآخر فيتناول قضية الأمن الثلاثي المشترك والمتبادل (الولايات المتحدة وإسرائيل وفلسطين) بالتعاون مع شركاء دوليين حيث ندرك "إن الأمن المطلق لإسرائيل أو فلسطين هو مستحيل التحقيق وهلامي جداً، وأن السعي المركز على هذه القضية فقط يشكل عاملاً مخلاً بالاستقرار في المنطقة". ولذلك فإن "الأمن الصحيح لإسرائيل وللفلسطينيين هو في التوصل إلى اتفاقات متبادلة ومتساوية تحدد الدولتين بحدود يقر بها الجميع ومن خلال تحقيق السلام وخلق آلية لضمان استمراره ".
وتشير الدراسة إلى أن اختلال التوازن في القدرات العسكرية بين الفلسطينيين وإسرائيل سيستمر إلى الأبد" الأمر الذي قد يدفع باتجاه المغامرة المجددة في إشعال الصراع، مما يتطلب تدخل طرف ثالث وتشكيل منظمة الرقابة والتحقق (IMOV) تحت رعاية الولايات المتحدة لضمان عملية التحول الاستراتيجي من الوضع المضطرب حالياً نحو سلام مستدام، وضمان أن كلا الطرفين يرتقيان إلى مستوى المسؤوليات الملقاة عليهما".
وتخلص الدراسة إلى أن "القيادة الأميركية الحيوية" هي المطلب الأساسي والملح لضمان تحقيق حل الدولتين "بما يحقق للفلسطينيين إنهاء الاحتلال والاستقلال ويعطي إسرائيل الأمن الذي تحتاجه".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها