ايام معدودة انقضت على رحيل الفتى الشهيد محمد الكسبة الذي قتله الجنرال "يسرائيل شومير" ومثله آلاف القتلة في جيش العدو الاسرائيلي مطلقا النار عليه بعد اصابة سيارته العسكرية بحجر، في مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة، لينضم بذلك إلى شقيقيه الشهيدين ياسر وسامر اللذان استشهدا في ذات المخيم عامي 2001 و 2002.
محمد الكسبة التحق بشقيقيه، وكذلك الحال التحق بالفتى محمد ابو خضير الذي مر عام على حرقه حيا من قبل غلاة العنصرية والتطرف، نازيي القرن الحادي والعشرين، ودواعش اليهود.
لن اتحدث في هذا المقال عن جرائم العدو، وتطرفه، لأنها باتت واضحة كشمس النهار في كبد السماء، واخذت طابع "الدولة" فالمستوطنون وقتلة جيش العدو يأخذون التعلميات المباشرة وبشكل رسمي لقتل شعبنا، ويحصلون على نياشين واوسمة كلما توغلت ايديهم بدمنا، ولكن ما يضع الغصة في النفس، هو رد الفعل الفلسطيني على هذه الجرائم والممارسات.
فنبأ استشهاد الفلسطيني لم يعد يحظى بزخم شعبي ولم يعد يحظى بردة فعل تليق بمقام الشهيد الذي نثر دمه الطاهر فداء لوطنه ولترابه، وليصنع مجد شعب ما زال يرزح تحت وطأة الاحتلال لأكثر من نصف قرن من الزمان.
هل نزل الفلسطينيون عن الجبل، على وقع "النصر"؟، عندما نزل صحابة الرسول الكريم عن جبل احد كان نزولهم على لأنهم رأوا النصر بأم اعينهم، ولكن لماذا نزل شعبنا عن الجبل، وهو يعلم تماما، ان النصر لم يأت بعد، وان غنائم النصر مازالت بعيدة كل هذا البعد، امام ذلك علينا أن نفكر مليا، فنحن لن نجد الغنائم، فلنعمل على ان ندفع "جزية نزولنا".
لماذا نزلنا عن الجبل، والاقصى والقيامة ما زالت تبكيان، لماذا نزلنا وما زالت ارضنا تسرق مع كل يوم لصالح المستوطنات، لماذا نزلنا عن الجبل وفي كل يوم يستشهد او يجرح او يعتقل فلسطيني، وفي كل يوم تنتهك حقوقنا وحرماتنا، وفي كل يوم يخفض العالم من سقفنا لأننا هنا عليه بعد أن هنا على انفسنا، وصولا إلى رفع حاجز من هنا ومنح تصريح هناك، ليس لسبب إلا لأننا فلسطينيون.
هل فرحنا "بتسهيلاتهم" في رمضان، وسماحهم لنا بزيارة ارضنا المحتلة عام 48، وانشغلنا بهذه التسهيلات، لنغض الطرف عن "خنساء" فلسطين، ام الشهداء الكسبة، وهل نحن سنسترد ارضنا بتلك التسهيلات؟
سينتهي رمضان، وستتوقف "تسهيلاتهم المزعومة"، وسنعود لنسأل انفسنا ذات السؤال، ماذا بعد؟
لعل رمضان الكريم انعكس سلبا على مناسيب الوطنية لدى شعبنا، وهنا تكون طامة كبرى، فالتاريخ يشهد أن رمضان كان شهر الهمم والانتصارات، منذ عهد الرسول الكريم، وما تبعه حتى  ردح غير بعيد من الزمن.
ولعل موازين حساباتنا اعتراه نوع من الخلل، حيث بات الوضع الداخلي، على اهمية تصويبه، اولوية على صراعنا مع العدو، أم لعلنا تأثرنا بما يشهده محيطنا وشعرنا بالوحدة في مواجهة العدو، وهو ما اضفى علينا نوعا من الوهن، ام لعلنا فقدنا الامل في المجتمع الدولي، ولم نعد ننتظر منه ان ينصرنا بعد ان استنصرناه خلال العقود الماضية.
إن وجود عامل واحد من هذه العوامل يشكل سببا كاف لأن نثور في وجه العدو، بكل ما اوتينا من قوة وامكانيات لتحرير ارضنا واقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فما بالنا مع هذه العوامل مجتمعة، ليس لدينا مبرر أمام انفسنا وامام ضمائرنا، وامام أطفالنا ونسائنا، وقبل كل شيء امام الله عز وجل إلا أن نقوم وننتزع أرضنا وحقنا انتزاعا.
إن الشهداء والجرحى والاسرى ليسوا محط خلاف، وانما هم عامل وحدة، وحدة تشحذ هممنا لنبقي جذوة المقاومة في اوجها، فإسرائيل استنزفت كل الفرص لتحقيق سلام شامل وعادل يعطي شعبنا الحد الادنى من حقوقه.
ماذا بقي من حقوق هذا الشعب المكلوم، للأسف لم يتبقى شيء لنتنازل عنه، والعدو يقول "هل من مزيد"، ليس لدينا مزيدا من التنازلات، وانما يجب أن يكون لدينا مزيدا من الخيارات، وعلينا أن نفتح كل الابواب في المواجهة المقبلة، ليرتاح الشهداء في مثواهم الاخير، ولتقر اعين الامهات الثكالى، ولتلتأم جراح مصابينا، وليرفع اسرانا رؤوسهم عالية في السماء، لأن هذا الشعب لن يصمت طويلا امام هذه القرصنة والجرائم، مستمدا همته العالية من الحكمة التي تقول إن "أشد ساعات الظلام حنكة قبل الفجر بقليل"، وفجر شعبنا آت، آت بقيام دولته وتحرير كامل ترابه الوطني، وعودة لاجئيه، ودحر هذا الاحتلال البغيض وطرد مستوطنيه وتطهير فلسطين منهم ومن دنسهم.