يسجل لفراس عبد الرحمن أنه أحد فرسان الإعلام الفلسطيني الرسمي، الذي انخرط به منذ تأسيس السلطة الوطنية عام 1994، ووضع بصمته الخاصة فيه، بصمة خلاقة، مبدعة، بصمة لعبت دورًا في تعزيز الهوية الوطنية للاعلام شكلاً ومضمونًا، خلال مسيرته التي لم تكتمل، وفي كل المراحل كان فراس يبحث دائمًا عن الأفضل، وخلال المناقشات كان يصمت ويستمع حتى ينتهي الجميع من مداخلاتهم وبعد أن يدلوا بدلوهم، كان فراس يضع لمسة الإبداع على الأفكار والمقترحات.
تعرفت عليه مبكرًا في منتصف التسعينيات، لكن معرفتي به أكثر وعن قرب جاءت في السنوات الأخيرة، كنت انتظر باستمرار لأسمع أفكار هذا المخرج الذي تفوق على ما هو سائد، وكان خياله يسبق الجميع، يركب المشاهد بإتقان، ويمتلك قدرة على وضع الخطط وتنفيذها بشكل مهني. انجازاته كثيرة في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وله في كل مرحلة من مراحل تطورها دور ريادي، ومثلت قناة مساواة، الموجهة لجماهير شعبنا داخل الخط الأخضر وللمجتمع الإسرائيلي، التي كان مديرها العام، إحدى أهم بصماته في انتشار الاعلام الوطني.
وفراس لم يكن ليقوم بهذا الدور المبدع لو لم يكن يتمتع بوعي وطني وسياسي عميق، ويدرك احتياجات الشعب الفلسطيني جيدًا، وما تتطلبه قضيته الوطنية، ويدرك أن كل كلمة في مجال الإعلام، كما في السياسة توزن في الحالة الفلسطينية بميزان من ذهب، وأن المضمون في الإعلام يحتاج إلى شكل إبداعي يسوقه وينشره. وتمتع فراس بحس وطني مرهف، يشعر بألم كل طفل وامرأة، وكل فتاة وشاب، ويدرك أهمية أن يمتلك الشعب الفلسطيني إرادته الوطنية الحرة، كان نهضويًا صاحب عقل حر، منحازًا للأفكار المنسجمة مع العصر.
وعلى الصعيد الشخصي، ولعل ما كان يميزه هو ابتسامته الساحرة، التي كانت تجذب كل من حوله وتمنحهم الطمأنينة، كان دمثًا، مرنًا، مخلصًا للصديق، يتنقل كالفراشة بخفة لا يشعر به أحد، يحرك بهدوء ورشة عمل كبيرة من حوله، قليل الغضب، لا يعرف الحقد والكراهية، محبوبًا من كل زملائه.
ترجل فراس مبكرًا، ترجل أحد فرسان الإعلام الفلسطيني الوطني، الذي مثل الخيط الرفيع الذي بقي صلبًا يمتد بين مراحل تطور الإعلام الرسمي. وكان لو طال عمره قليلاً لسجل صفحات من تاريخ هذا الإعلام من زاوية تطوره من شقة صغيرة في مدينة أريحا، وتلفزيون لا يراه أحد على بعد كيلو متر واحد من مقره في مدينة غزة، إلى هذا الإعلام المتطور المنتشر على أوسع نطاق. رحل فراس، لكن ذكراه العطرة ستبقى حية في عقول وقلوب زميلاته وزملائه في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وفي كل مؤسسات الاعلام الرسمي، والإعلام الفلسطيني وفي قلب كل من عرفوه، وسيدون اسمه كبيرًا بين أسماء فرسان الإعلام الفلسطيني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها