ليس نوعا من المبالغة ولا حديثا بلغة المؤامرة أن نقول إن الأحداث الجارية في المنطقة للعام الخامس على التوالي لا تظهر أي أفق حتى الآن في ايجاد نهاية سريعة لها، وأن هذه الأحداث التي تجسد ذروة الاضطراب والضياع في المنطقة لها أسبابها الموضوعية المتراكمة، ولكنها وقعت أيضا بفعل فاعل، وهذا الفاعل هو القوى الدولية، والإقليمية التي لها أطماع ورؤى غير متوافقة، وإن اطالة زمن الاضطراب والفوضى هو بسبب هذا الخلل الكبير والعاصف احيانا في نمط العلاقات الدولية، لدرجة أننا بعد قرابة خمس سنوات، لا نكاد نلمح في الأفق ولو بصيص أمل في اتفاق على أي شيء، فلا تعريف شاملا متفقا عليه للإرهاب، فالإرهاب عند البعض هو الحليف عند البعض الآخر، على سبيل المثال، ولا اتفاق على رسم الخرائط الجيوسياسية حتى الآن، وحتى ما هو مقسم وما هو مجزأ، معرض لمزيد من الإنقسام والتفتت، ويكفي ان ننظر الى حال المنطقة العربية لنتأكد من حجم النفق المظلم الذي دخلنا فيه، ولم نهتد الى الخروج منه، ويكفي ان ننظر الى حالنا في فلسطين، وكيف يعيش هذا الانقسام ونحن تحت سقف الاحتلال، وكيف نستمر في الثرثرة بشعارات جوفاء وخاوية لتكريس الانقسام مثلما تفعل حماس، لا تتعلم من أي درس، وتبدأ من نقطة الصفر في مفاوضات مع إسرائيل وتوجه أولوياتها الى الوعود الإسرائيلية وتتفلت من كل التزام وطني.

الحل ليس مجرد كلمات سهلة، والوصفات الجاهزة لم تعد تجدي نفعا، وأولوياتنا يجب أن نتفق عليها بطريقة أفضل من الحالة الهشة التي نعيشها، لأن عدونا الرئيس وهو اسرائيل ورغم ما يمتلكه من عناصر القوة ومن جدار التحالفات الكبرى، هذا العدو خائف من المستقبل، ويسعى الى خطط لتأمين إسرائيل لخمسين أو مئة سنة اخرى، وخطة التأمين الإسرائيلية هي نفسها الخطة القديمة الجديدة وجوهرها لا دولة فلسطينية بل بدائل غامضة ليس لها معنى مثل فكرة اتفاق مؤقت في غزة، دويلة أو إمارة أو وهم في غزة بعيدا عن المسار الفلسطيني، وكانت هذه الفكرة هي مركز الإجماع الصهيوني، وكانت وراء الانسحاب الأحادي ووراء الحروب المتلاحقة على غزة، ووراء صناعة الانقسام ووراء الاتصالات الحالية، وقد تمكنت الحركة الوطنية الفلسطينية بكل فصائلها من رفض هذه الفكرة الصهيونية، فكرة القبول بكيان وهمي ودولة وهمية، الحركة الوطنية رفضت وقاومت ولكن إسرائيل الحاضرة في أحداث المنطقة والمشاركة في صناعتها تستغلها للعودة الى الخطة القديمة نفسها، حيث وجدت ضالتها في أداة فلسطينية جديدة وهي حماس، مستفيدة من حالة الوهم الفلسطينية والعربية المحيطة بنا.

لا احد ينقذنا من مصيرنا سوى أنفسنا، نحن الذين يجب أن نبدأ ونبادر ونفرض الحقائق مهما كانت بسيطة على الأرض، ربما إن نجحنا في إحداث ثغرة في الخطة الإسرائيلية نكون قادرين على تصحيح الوضع العربي المتدهور وإعادته الى الحضور من جديد.