لطالما تمادى عدد من نواطق "حماس" وتجاوزوا في حربهم الإعلامية المسرفة الخطوط الحمراء، فهم لم يدّخروا ضميرا ولا ذمة في التعريض والتشهير بالمخالفين وفي اتهامهم وشتمهم، وإن تفننوا في ابداعات الشتم إلى الدرجة التي كتبوا فيها قاموسا خاصاً بهم لم يصل اليه أحد غيرهم أو قبلهم.

عدد قليل من النواطق كانوا في المراكز الأولى في بدائع الشتائم أمثال صلاح البردويل ومشير المصري وإسماعيل الأشقر وآخرين من نفس الجوقة وإن كانوا أقل (ابداعاً) في الشتم والاتهام والتحريض، وبالطبع عبر فضائية التحريض الأولى في المنطقة (الاقصى) كما يسميها د. ابراهيم العربي رئيس تحرير موقع (نقطة وأول السطر) التي تبث سمومها ضد الوطن من غزة التابعة لفريق "حماس" المعادي للوحدة والشعب.

ورغم أن الفضائية المذكورة تخضع لقوانين البث الصارمة، وكذلك القمر الحاضن للمحطة إلا أنك لا تجد صدى لذلك لدى رجال السلطة في وزارة الإعلام مثلاً، أو لدى من تهمه مصلحة الوطن من السياسيين والقانونيين وأتباع مؤسسات حقوق الإنسان لأن يحاسبوا هذه المحطة التي تحض على الفتنة والقتل والتخوين والتكفير، وبشكل قانوني.

للبردويل إبداعات عليلة من مثل: إن (السلطة تساهم في جرائم الاحتلال) وأن (فتح مجموعة مرتزقة) وأن (أبو مازن غير مؤتمن وقاتل ويحب الاسرائيليين) (؟!) إضافة لقاموس عليل مليء بالقذارات والشتائم التي يعف أي كان عن تردادها، ولا تجد في "حماس" من يصده أو يرده وكأنك تشبع فيهم غرور الشعور بالنصر، ولو عبر الشتيمة أو الاتهام والتحريض الذي يصل لحد استجلاب القتل، وتكرار انقلاب عام 2007 الأسود.

ولا يشذ عن قاعدة الشتم التيار الممانع للمصالحة في "حماس" وعلى رأسه اسماعيل الأشقر والذي يمتلئ قاموسه بنفس مفردات أقرانه غير العفيفة في "حماس" وأن بتطور مختلف مثل اتهام الأشقر لحركة فتح أنها (حركة غير شريفة وعميلة ولصوص القضية, ورخيصين) (؟!) ومن مطالباته المستمرة (بطرد عباس، وهو يتقاطع مع الاحتلال) وأن (عقيدة الأجهزة الأمنية في الضفة مشوهة وتمارس التسميم السياسي) وصولاً للاتهام بالعمالة والخيانة بلا مواربة للمعتقلين من حركة فتح لدى "حماس" في غزة كما وصفهم المذكور.

إذن ما الجديد في ظل أن خطاب الشتائم والتحريض والتخوين والتكفير لا يتوقف وكأنه سمة من سمات (التطرف) فإما تطرف بالقتل، أو تطرف باللسان والاثنان يؤديان للنتيجة نفسها! ما الجديد؟ أن الجديد هو قطع الجسور، فدعوة إسماعيل الأشقر لاستهداف الأجهزة الأمنية في فلسطين (لا يقصد قطعاً الأجهزة الأمنية لحماس في غزة) من قبائل المقاومة هي دعوة فتنة لحرب أهلية، وبغض النظر عن السبب الذي يستند إليه-ما لا يحتاجه للتحريض والدعوة للدم- وهو الاعتقالات التي نراها مرفوضة على قاعدة الانتماء السياسي أو الاجتماعي أو الفكري سواء في غزة العامرة بالمعتقلين أو سواء في الضفة، قطعيا وبلا أي شك.

خالد مشعل وقبله مراقب عام الاخوان في الأردن همام سعيد (الذي تم الانقلاب عليه من عبد المجيد ذنيبات لتشدده ) وغيرهما، سبقوا الأشقر بالدعوة للحرب الأهلية (للمقاومة) ضد السلطة باعتبارها أولوية على الاسرائيلي؟! فلم يأتِ الأشقر بجديد في ذلك من حيث التهديد، وإنما من حيث التوقيت حيث العلاقات المتنامية عبر "الدردشات" مع الاسرائيليين، وتسيير دوريات حرس الحدود من "حماس" بمحاذاة الحرس الاسرائيلي على جانبي غزة، واعتقال أي مشتبه به من اطلاق نار من غزة على الجانب الاسرائيلي، ونكد الغزيين من تكاثر الضرائب على كواهلهم من تيار نصابي "حماس" ومصاصي دماء الناس فيها، فكان لا بد من تصدير الخوف والخطر والشحن نحو (العدو) وهو السلطة الوطنية إرضاء لأحلام (الإمارة) والانفصال وهي الأحلام التي أصبحت في متناول اليد في ظل عاصفة العرب الهدامة والتي تدغدغ عقول الفئة الباغية.

في "حماس" كما كررنا دوما تيار عقلاني قد لا يجد له الفرصة الكافية للجم أصوات الشر والفتنة والتكفير والتخوين داخل "حماس" -قلّت أو كثُرت ولكن صوتها مفزع- ولكنه موجود، وله رأيه السياسي الذي نخالفه في بعضه، ولكن نحترمه، إلا أن هذا التيار يرفض الدم ويدعو للوحدة الوطنية، فهاكم د.مصطفى يوسف اللداوي الكاتب المستنير من قادة "حماس" يكتب تحت عنوان (سفاهةٌ تعمق الانقسام وجهالةٌ تستدعي الدم) فإنه بعد أن يطالب السلطة بالتراجع عن اجراءاتها بالاعتقالات بأشد وأقسى العبارات الرصينة يقول إنه رغم ذلك فإننا (لا نجيز الدعوات الصادرة إلى أخذ الحق بالقوة، ونرفض أي مساسٍ بأبناء الشعب ولو كانوا رجال شرطة وعناصر أمنٍ أو غيرهم، فإننا نتمنى على المرجعيات الوطنية أن ترفض هذه الدعوات وأن تنكرها، وأن تعلن البراءة منها، وألا تسكت عنها، وألا تتجاوزها صفحاً، أو تهملها قصداً، ففي صمتها إدانة، وفي سكوتها إجازة، وهناك من يتربص بهذا الشعب ويروم به شراً، وهو يتابع ويراقب، ويمكنه انتهاز الفرصة، والصيد في المياه العكرة، وتوريط الأطراف في حمامِ دمٍ قذرٍ، وهو على ذلك قادرٌ وراغبٌ.)

إننا في حركة "فتح" والفصائل الوطنية وفي الجهاد و"حماس" وهي فصائل وطنية، فكلنا اسلاميون ووطنيون-ان شاء الله- لا فرق، كلنا نتحمل مسؤولية ضياع المشروع إن تراخينا وتنازلنا وتفككنا، ومسؤولية ضبط الحوار حتى حوار الخصوم كي لا تصبح المسافة بيننا غير قابلة للجسر، وكلنا نتحمل مسؤولية السكوت عن أصوات لهيب التحريض فهي بقوة الرصاصة في العين، وهي بقوة المدفع غدا، وهي ستخترق صدورنا جميعا في القريب ان لم نقف وقفة رجل واحد للبراءة من المحرضين والمعتدين معا، ونقف معا ل"قطع" ألسنة التحريض سواء في المواقع الالكترونية التي تنضح حقدا ومناطقية وعنصرية بغيضة و"اسلاموية عفنة" أوعلى الفضائيات التحريضية المعروفة، و"القطع" هنا نعنيه قانونيا وديمقراطيا وليس ك"القطع" في عُرف تجار الدم والقضايا، كما إن المطلوب منا أيضا قطع سبل الوصول للتحريض من اجراءات يتخذها أي كان على الأرض ضد الوحدة الوطنية وضد المشترك العام وضد فلسطين.