وهكذا وصلت اسرائيل في علاقتها مع حركة حماس الى حد عدم التستر، وكشف النقاب, حين اعلنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قبل أيام عن توصية علنية إلى حكومة نتنياهو الرابعة، بتثبيت هدنة مع حماس في قطاع غزة تبدأ بعشر سنوات.
هل هذا الكلام فيه أدنى مفاجأة والجواب القطعي هو لا ليس في الأمر أدنى مفاجأة، وأن هذا المسار بدأ فعليا منذ الإنقسام قبل أكثر من ثماني سنوات، وكل محاولات واتفاقات المصالحة إبتداء من حكومة الوحدة الوطنية بناء على اتفاق مكة حتى حكومة التوافق الوطني بناء على اتفاق مخيم الشاطيء تراجعت واغلق أمامها الطريق عمدا للوصول الى هذه النتيجة التي تلوح في الأفق السياسي الآن تحت بند الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين حماس وإسرائيل، والتي تأخذ أسماء متعددة مثل الدردشات أو تبادل الأسرى أو تثبيت التهدئة أو المنصة البحرية أو غيرها من العناوين، وجوهر كل ذلك أن حماس لا تريد التخلي عن قطاع غزة لا لصالح الشرعية الفلسطينية، ولا لصالح الشراكة الوطنية ولا حتى لصالح منظومة الأمن القومي العربي.
ومعروف أن فكرة سلخ قطاع غزة عن مصيره الفلسطيني هي حلم إسرائيلي قديم وكان الرادع لهذا الحلم الأسود قضيتان رئيسيتان، اولاهما قرار الشعب الفلسطيني بوحدة قضيته ووحدته شعبه ووحدة كيانه، وهذا ما قامت منظمة التحرير الفلسطينية بمقاتلة الجميع من اجله، أما الرادع الثاني فهو رسوخ منظومة الأمن القومي المصري بأن قطاع غزة يجب أن يبقى جزءا عضويا من الكيانية الفلسطينية، ولذلك فإن مصر رفضت منذ عهد الملك فاروق مرورا بعهود الرئيس جمال عبد الناصر وانور السادات وحسني مبارك والمجلس العسكري والرئيس الانتقالي عدلي منصور وصولا الى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسسي انضمام قطاع غزة الى سيناء، والحلقة الوحيدة التي شابها خلل فاضح سرعان ما تم ردمه بسرعة هي الفترة القصيرة المتوترة والفاشلة التي حكم فيها الإخوان المسلمون في ظل محمد مرسي ولعلنا نلاحظ أن ما يحاكم عليه الآن محمد مرسي بشكل رئيسي هو قبوله بانسلاخ قطاع غزة عن مصيره الفلسطيني وامتداده الى سيناء وكان الجيش المصري بالمرصاد لهذه المؤامرة! ولعلنا نلاحظ ايضا ان منطقة الإرهاب الأسود ما زالت تتركز في المنطقة بين الشيخ زويد ورفح، وهي المنطقة التي كان يدور عليها الرهان المعادي لتكون امتداد غزة في سيناء بدل ان يكون امتداد غزة في فلسطين، وأن الإرهاب في هذه المنطقة يوشك ان يسلم بالهزيمة الكاملة.
حين نرى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحكي على المكشوف وحين نرى حماس تفشل كل محاولة للمصالحة، فيجب أن لا تأخذنا الدهشة، ويجب أن يخرس أولئك الذين يدعون أنهم مفاجأون، وعلينا أن نتوجه الى سياسات أكثر حزما والخروج نهائيا من هذه المنطقة الرمادية، والإستعداد لاختيارات واضحة جدا، فإسرائيل لا تريد لدولة فلسطينية أن تقوم وفيها قطاع غزة " 360 كم مربع مخصوم منها الحزام الأمني يعيش فيه مليونا فلسطيني مرشحون للزيادة "وحماس تورطت إلى حد انها لا تريد أن تكون تحت سقف أي شرعية فلسطينية، تورطت الى حد ان القرار لم يعد في يدها حول هذه المسألة, فما هو البديل، هذا هو السؤال الحقيقي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها