خاص مجلة "القدس" العدد -315- تحقيق: منال خميس-غزة

تهجير جماعي وطرد قسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين في الخامس عشر من أيار، العام 1948 تبلوّر وتشكّل ليصبح نكبة على الشعب الفلسطيني لا تزال قائمة حتى اللحظة، وذكرى تتمدد وتتواصل، يُحييها الفلسطينيون في كافة أماكن تواجدهم في الوطن والشتات، وهم ما يزالون يحفرون تفاصيلها من ذاكرة الشيوخ الكبار الذين عاشوها  ليُسكنوها ذاكرة أطفالهم، علّ الأجيال القادمة لا تنسى، وتكون هي القادرة على العودة للوطن وطرق باب التحرير.


النكبة وتداعياتها على توزع اللاجئين وظروفهم الحياتية
يرى مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق، التابع لـ"م.ت.ف"، الباحث ناهض زقوت أنه "لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد اللاجئين على المستوى العام، بسبب توزع اللاجئين في كل بقعة من العالم. ولكننا نعتمد دائمًا على الإحصائيات التي تصدرها وكالة الغوث (الاونروا) وهي إحصائيات غير دقيقة أيضا، لأن الاونروا تقدم معلومات إحصائية حول اللاجئين ضمن مناطق عملياتها الخمس (قطاع غزة، الضفة الغربية، الأردن، سوريا، لبنان)، في حين أن اللاجئين الذين لا تشرف عليهم الاونروا في باقي البلدان العربية لا تقدم عنهم إحصائيات، وتبلغ نسبتهم من 25% إلى 30% من اللاجئين. وجاء في الدليل الإحصائي للاونروا للعام 2014 أن عدد اللاجئين في مناطق عملياتها بلغ (5.493.115) لاجئًا مسجّلاً، من بينهم (1.328.351) لاجئًا يعيشون في قطاع غزة. وهؤلاء يتوزّعون على ثمانية مخيمات هي: (رفح، خان يونس، دير البلح، المغازي، النصيرات، البريج، الشاطئ، جباليا)".
ويؤكّد زقوت أن يوم النكبة الذي يصادف في 15/5 من كل عام هو يوم حزين لشعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، لذلك تُنظّم المسيرات والوقفات والمهرجانات التي تعبّر عن رفض الفلسطينيين لما حدث في العام 1948، والمطالبة بعودة اللاجئين وفق القرار 194. مشيراً إلى أن إسرائيل ما زالت تسعى بكل قوتها العسكرية إلى طرد شعبنا من أرضه واحتلالها لإقامة المستوطنات عليها لتكون واقعًا على شعبنا الفلسطيني يحول دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وتقسيم الأرض إلى كانتونات معزولة يسهّل السيطرة عليها.
وعن تداعيات النكبة على الشعب الفلسطيني قال الباحث زقوت: "إن ما حدث العام 1948 لا يعني الهزيمة العسكرية للشعب الفلسطيني، ولم يكن حرباً بين دولة ودولة أخرى، بل كان حربًا بين عصابات مسلّحة شبه منظّمة وشعب آمن مستقر في أرضه، أعزل من السلاح، إلا ما ندر. لهذا فالنكبة في مفهومها العميق هي تهجير الفلسطينيين من وطنهم، ودفعهم بقوة السلاح والإرهاب إلى خارج وطنهم، لتخلوَ الأرض من السكان، من أجل استقدام آخرين ليحلوا مكانهم".
وأضاف بأن النكبة الفلسطينية، شكّلت نقطة تحوّل جذرية في حياة الشعب العربي الفلسطيني ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً، ومازالت آثارها وتأثيراتها في الأمة العربية قائمة.
وأشار الى بقاء حوالي 160 ألف فلسطيني من أهلنا في الأراضي التي احتلّتها إسرائيل العام 1948، ولكنهم عاشوا كأقلية عربية يتمسّكون بدينهم ووطنيتهم في مقابل المجتمع الإسرائيلي الرافض لوجودهم. لافتًا إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي عاملت شعبنا منذ البداية بالاضطهاد والاستبداد حيث فرضت نظام الحكم العسكري الذي أصبح حجر الزاوية في السياسة الإسرائيلية تجاههم ويتحكّم بكل تصرفات إسرائيل تجاه عرب الـ1948.
وأضاف أنه رغم كل المحاولات التي سعى إليها هؤلاء الصامدون في أرضهم من تحقيق المساواة والعدالة في أرضهم إلا أن إسرائيل عاملتهم بعنصرية وكفئة أقل مما تُعامِل به اليهود وكانت حياتهم مقيّدة بتصاريح ومحاصرة بالأماكن والاعتقالات وفرض إقامة جبرية واعتقال إداري لفترات غير محددة ودون محاكمتهم وإعطائهم حقوقهم كعرب.

اللجان الشعبية رائدة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين
وعن دور اللجان الشعبية للاجئين تجاه المخيمات واللاجئين، يقول زقوت: "تمثّل اللجان الشعبية الدور الأساسي والمركزي في متابعة قضايا اللاجئين والدفاع عن حق عودتهم إلى ديارهم التي شُرّدوا منها بقوة السلاح والإرهاب في العام 1948. وقد تأسّست اللجان الشعبية في المخيمات، وعددها ثمانية، في العام 1996 وهي تابعة إدارياً لدائرة شؤون اللاجئين في "م.ت.ف". وتتشكّل بالتوافق الوطني من فصائل المنظمة، وتعدُّ اللجان نفسها ذات توجه سياسي وليس خدماتي. وتنحصر مهامها في العمل على بلورة قوة شعبية ضاغطة باتجاه الالتزام الرسمي بحق العودة، وزيادة الوعي والثقافة بين الشباب حول قضية اللاجئين، وتعزيز ثقافة حق العودة، والتواصل مع الشخصيات السياسية المؤثّرة في المجتمع، وفصائل العمل الوطني والإسلامي، والتنسيق مع المؤسسات والهيئات العاملة في مجال اللاجئين سواء في الوطن أو الشتات، وغيرها من المهمّات.
وأضاف الباحث زقوت، أن اللجان تقوم في سبيل تحقيق أهدافها بالعديد من النشاطات والفعاليات، أهمها الدفاع عن حقوق اللاجئين أمام وكالة الغوث والجهات المختصة الأخرى، وإحياء ذكرى النكبة والمذابح التي ارتُكبت بحقهم، وتنظيم الندوات وورشات العمل وإصدار النشرات والبيانات والرسائل السياسية في المناسبات الوطنية، والتواصل مع الشخصيات العامة، والتعاون مع المؤسسات الأهلية والمؤسسات ذات الاختصاص لتعزيز ثقافة حق العودة.

المشاركة في فعاليات ذكرى النكبة وتأثُّرها بواقع الانقسام
حول النشاطات والفعاليات التي ساهم بها مركز عبد الله الحوراني لإحياء الذكرى الـ67 للنكبة، قال زقوت: "يعد مركز عبد الله الحوراني من المؤسسات الرئيسة المشاركة في إحياء ذكرى النكبة كل عام، بل أيضًا يصدر الكتب والدراسات وينظّم الندوات واللقاءات السياسية المتعلّقة بحق العودة وقضية اللاجئين. في هذا العام شارك المركز بالتعاون مع مخاتير المنطقة الوسطى في دير البلح بتنظيم مهرجان تراثي بمشاركة المخاتير والوجهاء وقادة التنظيمات والسياسيين وشخصيات عامة وجماهير من مخيمات اللاجئين. كذلك تحدثنا في لقاءات خاصة عبر وسائل الإعلام عن حق العودة وقضية اللاجئين ودور المؤسسات في إحياء ذكرى النكبة. وفي الندوة السياسية التي نظّمتها لجان المقاومة الشعبية في فلسطين بعنوان "مقاومة الأحفاد تعيد أرض الأجداد" كان حديثنا عن "آليات ترسيخ ثقافة حق العودة". وكان للمركز دور أساسي في رئاسة اللجنة الثقافية ضمن المهرجان الجماهيري الذي نظّمته الهيئة الفلسطينية للثقافة والفنون والتراث الذي أقيم تحت رعاية رئيس الوزراء د.رامي الحمدالله، بعنوان "الطريق إلى القدس والعودة لفلسطين"، وفي تنظيم المسيرة الحاشدة التي انطلقت من الجندي المجهول بغزة باتجاه مكتب منسّق الأمم المتحدة لتسليمه رسالة تعبّر عن مطالب اللاجئين ودعم حقوقهم في العودة وتقرير المصير. ومن خلال اللجنة الثقافية نظّمنا ندوة فكرية حول هجرة الشباب من قطاع غزة إلى أوروبا، وأمسية شعرية، ومعرضًا ثراثيًا".  
وأضاف "ولكن كان للانقسام الفلسطيني تأثير كبير ليس فقط على قضية اللاجئين، بل في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في قطاع غزة. ففي كل عام تبرز الخلافات بين حماس وفتح في تشكيل اللجنة الوطنية العُليا لإحياء ذكرى النكبة، مما يؤدي إلى أن تكون هناك فعاليات خاصة باللجنة الوطنية العليا، وفعاليات خاصة بحركة حماس، والكل يزاود على الآخر في الدفاع عن قضية اللاجئين وحق العودة. لذلك هذا العام كان هناك عزوف جماهيري عن المشاركة في المسيرات التي نظّمتها التنظيمات الفلسطينية بشكل ملموس".  
وفي رسالته إلى الأجيال القادمة، قال الباحث زقوت: "قبل أن نتحدث للأجيال القادمة علينا أولاً التغيير في خطابنا السياسي والإعلامي، وفي أدوات العمل والفعاليات الخاصة بإحياء ذكرى النكبة، وتعزيز ثقافة حق العودة في ذهنية الأجيال الجديدة وترسيخ جذورها لديهم، بما يدفعهم بكل قوة للانتماء إلى هذه الأرض، والدفاع عنها، لكي يشكّلوا من خلالها رؤية أفضل من رؤيتنا في تحرير فلسطين وعودة اللاجئين، وتتمثّل في: ثقافة الوحدة وحب الآخر، وثقافة الانتماء للأرض وتعزيز صمود الشباب، وإعادة النظر في المناهج الدراسية والتعليمية لتزويدها بالأًسس الوطنية، وإبراز القضية الفلسطينية بشكل أكبر، والتعريف بقضية اللاجئين وحق العودة والقرى المدمرة. وتحفيز الطلاب للبحث والدراسة عن قراهم ومدنهم المهجرة، من خلال مسابقات أو أنشطة مكتبية، والاهتمام بتراثنا والحفاظ عليه وتدوينه ونشره، لأننا شعب اقتُلِع من أرضه وما زال الاحتلال الإسرائيلي مُمعِنًا في تهويد الأرض والتراث، دائباً على العمل الجاد لطمس الشخصية الفلسطينية ومحو هويتها من الوجود. لذا أرى لزامًا علينا تعريف الأجيال الجديدة على تراثنا وثقافتنا وحضارتنا والتشبُّث بكل لوحة وكل رسم وكل موال وأغنية ولحن يربطنا بالأرض التي اقتُلعنا منها، واهتمام مراكز الأبحاث والدراسات بنشر عدد كبير من المطبوعات والنشرات والأفلام الوثائقية، والأعمال الفنية وترويجها، بمختلف الأشكال، مما يتناول قضية اللجوء وما جرى للاجئين، وباللغات المختلفة لأن عددًا كبيرًا، حتى من المناصرين لقضايا الإنسان الفلسطيني لا يعرفون الكثير من الحقائق والمعلومات المتعلّقة بما جرى للإنسان الفلسطيني. كما ينبغي العمل من خلال السفارات والممثليات الفلسطينية في الخارج على إقامة المعارض والندوات التي تتناول هذه القضية، وذلك من باب المعايير والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والتدليل على ذلك بالوثائق والقرائن الحية".
وختم الباحث زقوت اللقاء بالقول: "إن قضية اللاجئين وحق العودة تشكّل القاسم المشترك بين الكل الفلسطيني، لذا علينا أن نعمل تحت هذا العنوان لكي تبقى القضية حية لدى الأجيال الجديدة، وتبقى متمسكة بحق عودة اللاجئين الى ديارهم التي شُرّدوا منها العام 1948".